هو السبيل لحماية المسجد الحرام من القوة الطاغية الباغية التي تشوّه روحية المعاني الكبيرة في المسجد ، وتهدّم أجواء السّلام في داخله ، فلا بد من قتالهم وإبعادهم عنه حتى يخلو الجو للخير والمحبة والتقوى والسّلام في نهاية المطاف ، ليستمر قاعدة للأمن لكل الناس في ظل الدعوة التي تؤمن بهذه الحقيقة ، انطلاقا من إيمانها بالله في شريعته الممتدة في رحاب الحق والعدل والأمان.
وقد كان المسلمون يتحرجون من ذلك في بعض المواقف التي كانت تتفجر بالحرب بينهم وبين قريش ، وذلك في ما روي في مجمع البيان عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ـ الآية ـ نزلت هذه الآية في صلح الحديبية ، ذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما خرج هو وأصحابه في العام الذي أرادوا فيه العمرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، فساروا حتى نزلوا الحديبية ، فصدّهم المشركون عن البيت الحرام ، فنحروا الهدي بالحديبية. ثم صالحهم المشركون على أن يرجع من عامه ، ويعود العام القابل ، ويخلوا له مكة ثلاثة أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء ، فرجع إلى المدينة من فوره. فلما كان العام المقبل تجهز النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدوهم عن البيت الحرام ، ويقاتلوهم ، وكره رسول الله قتالهم في الشهر الحرام في الحرم ، فأنزل الله هذه الآية (١) ..
ومن خلال هذه الآية نعرف واقعية الإسلام في التشريع في ما يحرمه ويحلله من أشياء ، فإن حرمة الأشخاص والأمكنة والأزمنة تفرض نفسها على واقع التشريع والممارسة ، ما دامت في حدودها الخاصة التي لا تصطدم بحرمة أشياء أعظم منها في مقياس القضايا الكبيرة ، فإذا اصطدمت بها في بعض المواقف ، بحيث كان الحفاظ عليها موجبا لسقوط الحرمة الأعظم وهي حرمة
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٠٩ ـ ٥١٠.