تحديد حرية الكفر وتجميد دوره ، وذلك بإعطاء الإنسان الحرية في الوصول إلى القناعة من خلال الحوار الإيجابي المنفتح في نطاق خاص. فإذا تمرّد كان الحق للحياة الرسالية أن تعبر عن نفسها بفرض سلطتها على الواقع من أجل الإنسان. وقد نعرف ، من خلال دراسة الشروط الشرعية للجهاد ، أنه لا يهدف دوما إلى تغيير عقيدة الإنسان بالقوة ، بل نراه يحافظ على إبقاء الآخرين على عقيدتهم في ما يتصل بالديانات السماوية الأخرى إذا حافظوا على شروط العهد والذمة ، أو في ما يتصل بالفئات الأخرى غير المؤمنة ـ في بعض الحالات ـ في نطاق المعاهدات التي تقتضي مصلحة الإسلام إقامتها معهم. إن القضية هي أن لا تكون هناك فتنة ، وأن يكون الدين كله لله ، بحيث تكون له الكلمة العليا في الأرض ، فلا تبقى هناك كلمة للكفر في موقع السيادة الشاملة. وتلك هي قضية كل فكر ودين يريد أن يجعل الحياة على صورته.
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ). فسّر الانتهاء في هذه الآية بإيمانهم بالإسلام والابتعاد عن خط الكفر ، فإنهم إذا أسلموا كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ، وذلك في ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن ربي أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإن قالوها اعتصموا مني دماءهم وأموالهم» (١) .. وفي ضوء ذلك ، يعتبر القتال بعد الإسلام مخصوصا بالظالمين الذين يعتدون على الناس ويبغون عليهم بغير الحق.
ويمكن أن تكون الآية واردة في اتجاه آخر ، وهو التأكيد على تحطيم قوة الكفر ، وتركيز سيادة الدين وقوّته من خلال القتال الذي يحقق هذا الهدف ، بالمستوى الذي لا يستطيع المشركون والكافرون معه الممارسة العدوانية على المسلمين ، وذلك إما بالإيمان بعد الكفر ، وإما بالمعاهدات التي تنظم قواعد السّلام القائم على احترام حرية المسلمين في دينهم وفي الدعوة إلى الدين.
__________________
(١) البحار ، م : ٢٦ ، ج : ٧٣ ، ص : ٧٩٣ ، باب : ٦٧ ، رواية : ٣٠.