السوية ، أو مع ترجح أحدهما بحسب ما فيه من نفع راجح.
وأيضا لو صح ما ذكر لكان كراهة الشيء مستلزمة لإرادة ضده المشعور به فيلزم من إرادة الشيء الذي له ضدان أن يكون كل منهما مكروها لكونه ضد المراد ، ومرادا لكونه ضد المكروه ، ولا محيص إلا بتغاير الجهتين أو تخصيص الدعوى (١) بماله ضد واحد ، وإذا جاز ذلك فتجويز إرادة كل من الضدين بجهة لا يصلح في معرض إبطالي حكم القاضي بالاستلزام المذكور لجواز أن يكون كل منهما مكروها أيضا بجهة ، وإنما يصلح في معرض الجواب كما ذكرنا ، حتى لو دفع بأنكم تجعلون متعلق الإرادة مقارنا لها ، فيلزم من إرادة الضدين اجتماعهما كان كلاما على السند مع أنه ضعيف لأن القول بأن متعلق الإرادة الحادثة لا يكون إلا مقدورا للمريد مقارنا لإرادته حتى لا يتعلق بفعل الغير ، وبالمستقبل ، ويكون كل ذلك من قبيل التمني دون الإرادة مخالف للغة والعرف (٢) والتحقيق.
__________________
(١) الدعوى في اللغة : هي القول ، تقول دعوى فلان كذا ، وهي أن يقصد الإنسان إثبات حق له على غيره ، والإقرار عكسه ، وهو إثبات حق الغير على نفسه.
والدعوى عند أهل المناظرة تشتمل على الحكم المقصود إثباته بالدليل وإظهاره بالبينة ، والقاصد أو المتصدي لإثبات الحكم أو لإظهاره هو المدعي ، وخصمه هو المدعى عليه.
قال الغزالي : نسمي العلم التصديقي الذي هو نسبة بين مفردين دعوى إذا تحدى به المتحدي ولم يكن عليه برهان ، وكان في مقابلة القائل خصم ، فإذا لم يكن في مقابلته خصم سميناه قضية.
(راجع محك النظر ص ١٤ ، ١٥).
(٢) العرف : ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول ، وتلقته الطبائع بالقبول.
(راجع تعريفات الجرجاني).
وهو قسمان : عرف عام ، وعرف خاص ، أما العرف العام فهو مجموع العوائد والتقاليد العامة المنتشرة في المجتمع ، وأما العرف الخاص فهو مجموع ما يتعوده الفرد من أنماط السلوك.
والعرف : مرادف للعادة إلا أن القدماء يفرقون بينهما بقولهم : إن استعمال العادة في الأفعال ، والعرف في الأقوال. أما المحدثون من الفلاسفة الغربيين فيفرقون بينهما بقولهم : إن العرف خارجي ، والعادة داخلية وخارجية معا ، ولذلك قال بعضهم : العرف لا يثبت إلا بالتكرار على حين أن العادة قد تثبت بمرة.