واشتدّ إشفاقه ، جعل يخاطبني ويقول : يا روحي ويا قرّة عيني ، وأنشد لي في عرض حديثه. ثمّ قال : نازلت الحصون وشهدت الوقائع والحروب فاستهنت بحظّنا ، وقد قنطت من النّجاة ، ولا أعرفها إلّا منك. وأريد المقام في مقام آمر فيه بسفارتك ، فقد غرقت بالمصيبة.
فوعدته بأنّني أستعطف الخليفة ، وخرجت ، وجلست [أكتب] (١) ما أرقّق به قلب الخليفة عليه. فدخل عليّ أبو نصر بن الموصلايا ، فجذب الورقة منّي ، وقال : لئن خرج ، فما يبعد هلاكنا بتوصّله ، لأنّه يعلم أنّ القبض عليه كان من جانبك.
فترك ابن الحصين الكتابة.
وقال ابن الحصين : آخر ما سمع منه التّشهّد والرجوع إلى الله.
وكان المستظهر بالله قد أقطع عميد الدّولة إقطاعا بثلاثين ألف دينار ، فعمّره ، فقال الّذين تكلّموا فيه للخليفة : إنّه قد أخرب نواحيك وعمّر نواحيه ، وأنّه وأنّه .. فقنص عليه.
وكان مولده في أوّل سنة خمس وثلاثين. وقدم بغداد مع أبيه وله عشرون سنة ، فسمع الحديث في الكهولة من : أبي نصر النّرسيّ ، وعاصم بن الحسن ، وأبي إسحاق الشّيرازيّ ، وأبي القاسم البسريّ.
سمع منه : إسماعيل بن السّمرقنديّ ، وأبو بكر محمد بن عمر البخاريّ المعروف بكاك ، وقاضي القضاة أبو القاسم عليّ بن الحسين الزّينبيّ ، وغيرهم.
وقد شكى إليه الحرّاس بأمر أرزاقهم ، فكتب على رقعتهم : من باع حطبا (٢) بقوت يومه فسبيله أن يوفّى ، وهؤلاء قوم ضعفاء.
وقال قاضي القضاة أبو الحسن عليّ بن الدّامغانيّ : كنّا بحضرة عميد الدّولة ، فسقط من السّقف حيّة عظيمة ، واضطربت بين يديه ، فبعدنا ، واستحالت ألواننا ، سواه ، فإنّه جلس موضعه حتّى قتلها الفرّاشون.
__________________
(١) إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
(٢) في الأصل : «باع حطب».