خرج إلى العراق ، ولقي ببغداد قبولا بالغا (١) ، ثمّ عاد إلى نيسابور ، وأقام بها مدّة ، وسلّم إليه المدرسة بباب الجامع المنيعيّ ، فسكنها ، ولم يزل قبوله في ازدياد.
وسمع الحديث في كبره ، ولم يحدّث. ومات كهلا في جمادى الآخرة.
قال ابن النّجّار : هو والد الواعظ المشهور أبي منصور بن المظفّر. قدم أبو الحسين الأمير بغداد سنة خمس وثمانين وأربعمائة ليحجّ ، فحجّ وعاد ووعظ ، وازدحموا ، وازداد التّعصّب له إلى أن منع من الجلوس فردّ إلى بلده. وكان بديع الألفاظ ، حلو الإيراد ، غريب النّكت.
سمع من : أبي الفضل بن خيرون ، وغيره. وحدّث بمرو.
قال ابن السّمعانيّ : سمعت عليّ بن عليّ الأمين يقول : اتّفق أنّ واحدا به علّة جاء إلى العبّاديّ ، فقرأ عليه شيئا ، فعوفي. فمضيت معه إلى زيارة قبر أحمد ، فلمّا خرجنا إذا جماعة من العميان والزّمنى على الباب ، فقالوا للأمير :نسألك أن تقرأ علينا. فقال : لست بعيسى بن (٢) مريم ، وذلك قول وافق القدر.
وقيل : إنّ بعض النّاس دخل على العبّاديّ ، فقال له : قم اغتسل. فقام ، وكان جنبا.
وجاء عنه زهد وتعبّد ، وتكلّم على الخواطر ، وتاب على يده خلق كثير.
وكان أمّارا بالمعروف ، مريقا الخمور ، مكسّرا للملاهي ، وصلح أهل بغداد تلك الأيّام به ، والله يرحمه ويغفر له (٣).
__________________
(١) في سنة ٤٨٦ ه. وقيل في سنة ٤٨٥ ه. (مرآة الزمان).
(٢) في الأصل : «ابن».
(٣) وقال سبط ابن الجوزي : «وكان يخاطب بالأمير قطب الدين ، قدم بغداد وهو أول قدومه في سنة ٤٨٦ وقيل في سنة ٨٥ وجلس في النظامية ، وحضر أبو حامد الغزالي مجلسه ، وكان الغزالي يحاضره ويجالسه ويذاكره ، وامتلأ صحن المدرسة وأروقته وغرفها وسطوحها بالناس ، فخرج إلى قراح ظفر فجلس به ، وكان يحضر مجلسه من الرجال والنساء ثلاثون ألفا ، وكان صمته أكثر من نطقه ، وكانت عليه آثار الزهد ظاهرة ، وكان إذا تكلّم هام الناس على وجوههم ، وترك الناس المعاش ، وحلق أكثر الصبيان رءوسهم ، ولزموا المساجد والجماعات ، وبدّدوا الخمور ، وكسروا الملاهي.