كان جدّ في قتالهم ، فجرح وسلم ، فحينئذ خرّب السّلطان قلعة خالنجان ، وجدّد الحصار عليهم. فطلبوا أن ينزل بعضهم ، ويرسل السّلطان معهم من يحميهم إلى قلعة النّاظر بأرّجان ، وهي لهم ، وإلى قلعة طبس ، وأن يقيم باقيهم في ضرس (١) القلعة ، إلى أن يصل إليهم من يخبرهم بوصول أصحابهم. فأجابهم إلى ذلك ، وذهبوا ، ورجع من أخبر الباقين بوصول أولئك إلى القلعتين. فلم يسلّم ابن غطّاس (٢) النّاس الّذين احتموا فيه (٣) ، ورأى السّلطان منه الغدر (٤) والرّجوع عمّا تقرّر ، فزحف النّاس عليه عامّة ، في ثاني ذي القعدة. وكان قد قلّ عنده من يمنع أو يقاتل ، وظهر منه بأس شديد ، وشجاعة عظيمة ، وكان قد استأمن إلى السّلطان إنسان من أعيانهم فقال : أنا أدلّكم على عورة لهم ، فأتى بهم إلى جانب السّنّ لا يرام فقال : اصعدوا من هاهنا. فقيل : إنّهم قد ضبطوا هذا المكان وشحنوه بالرجال. فقال : إنّ الّذي ترون أسلحة وكزاغندات (٥) قد جعلوها كهيئة الرجال ، وذلك لقلّتهم.
وكان جميع من بقي ثمانين رجلا. فصعد النّاس من هناك ، وملكوا الموضع ، وقتلوا أكثر الباطنيّة ، فاختلط جماعة منهم على من دخل فسلموا ، وأسر ابن غطّاس (٦) ، فشهّر بأذربيجان ، وسلخ ، فتجلّد حتّى مات ، وحشي جلده تبنا ، وقتل ولده ، وبعث برأسيهما إلى بغداد. وألقت زوجته نفسها (٧) من رأس القلعة فهلكت. وضرب محمد القلعة (٨).
__________________
(١) الضرس : الأكمة الخشنة التي كأنها مفرشة. وقيل : الضرس قطعة من القف ما ارتفع من الأرض مشرفه سيئا ، وإنها حجر واحد لا يخالجه طين. (تاج العروس ٤ / ١٦٤).
(٢) في الكامل ١٠ / ٤٣٤ «عطاش» ، والمثبت يتفق مع نهاية الأرب ٦ / ٣٦٣ ، وهو «عطاش» كما في المختصر ٢ / ٢٢٢.
(٣) في نهاية الأرب ٢٦ / ٣٦٣ «فلم يسلّم السّن الّذي بيده».
(٤) في نهاية الأرب : «العذر». وهو تحريف.
(٥) كزاغندات : مفردها : كزاغند.
(٦) في الكامل ١٠ / ٤٣٤ «عطّاش».
(٧) في الكامل ١٠ / ٤٣٤ : «رأسها».
(٨) الكامل في التاريخ ١٠ / ٤٣٠ ـ ٤٣٤ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٣٦٢ ، ٣٦٣ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ٢٢٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ١٦٧ ، النجوم الزاهرة ٥ / ١٩٤.