وقد استقصيت هذه النكتة في مواضع كثيرة من كلامي.
فأما قوله تعالى (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(١) فلا ندري من أي وجه دل على أنه أنزل جملة واحدة وقد كان أنه (رحمهالله) يبين وجه دلالته على ذلك. وهذه الآية بأن تدل على أنه ما أنزل جملة واحدة أولى ، لأنه تعالى قال (قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) وهذا يقتضي أن في القرآن منتظرا ما قضى الوحي به وقوع منه ، فان نزول (٢) ذلك على أن المراد به قبل أن يوحى إليك بأدائه ، فهو خلاف الظاهر.
وقد كنا سئلنا إملاء تأويل هذه الآية قديما ، فأملينا فيها مسألة مستوفاة ، وذكرنا عن أهل التفسير فيها وجهين ، وضممنا إليهما وجها ثالثا تفردنا به.
وأحد الوجهين المذكورين فيها : أنه كان عليهالسلام إذا نزل عليه الملك بشيء من القرآن قرأه مع الملك المؤدي له اليه قبل أن يستتم الأداء حرصا منه عليهالسلام على حفظه وضبطه ، فأمر عليهالسلام بالتثبت حتى ينتهي غاية الأداء ، لتعلق الكلام بعضه ببعض.
والوجه الثاني : أنه صلىاللهعليهوآله نهي أن يبلغ شيئا من القرآن قبل أن يوحى إليه بمعناه وتأويله وتفسيره.
والوجه الذي انفردنا به : أنه صلىاللهعليهوآله نهي عن أن يستدعي من القرآن ما لم يوح اليه به، لان ما فيه مصلحة منه لا بدّ من إنزاله وان لم يستدع ، لانه تعالى لا يدخر المصالح عنهم وما لا مصلحة فيه لا ينزله على كل حال ، فلا معنى للاستدعاء ولا تعلق للاية بالموضع الذي وقع فيه.
__________________
(١) سورة طه : ١١٤.
(٢) ظ : تنزيل.