وبعدها يُبيّن القرآن الكريم ، دور قرين السّوء في حركة الإنسان والحياة ، فإنّ الشّياطين يوصدون طريق الهداية والحركة إلى الله تعالى ، أمام الإنسان ، ويقفوا عقبةً في طريق الوصول إلى الهدف المقدس ، والأنكى من ذلك ، أنّ هؤلاء المنخدعين يحسبون أنّهم مهتدون : (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
وبعدها يتطرّق القرآن الكريم إلى النتيجة ، فيقول : إنّ هذا الإنسان عند ما يرد في عرصات القيامة ، وعند حضور الجميع عند الله تبارك وتعالى ، وكشف الأسرار والحقائق ، يقول لقرينه الشّيطاني : (حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ).
حيث نستوحي من هذه التعبيرات ، بأنّ قرين السّوء ، يمكن أن يحرف الإنسان من موقع الأغواء ، عن طريق الباري تعالى ، ويصدّه عن سبيل الهداية والصّلاح ، فيهدم عليه دعائم الأخلاق ، ويشوّه الواقع النّفسي والفكري له ، فينخدع هذا المسكين ويحسب أنّه على هدىً ، فإرجاعه عن غيّه ، والعودة به إلى الصّراط المستقيم ، سيكون ضرباً من المحال ، ولن يستيقظ من أوهام الغفلة ، إلّا وقد فات الأوان ، وبعد غلق طريق العودة عليه.
وكذلك يُستفاد من الآية الشريفة ، أنّ قرين السّوء يبقى دائماً مع الإنسان في حياته الاخرويّة الأبديّة ، وكم هو مؤلم ، أن يرى الشّخص المسبّب في بؤسه وهلاكه ، يعيش معه دوماً ، ولن تنفع معه اليوم الأماني والآمال بالإنفصال عنه ومفارقته ، فيقول : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)(١).
وفي مضمون الآيات الآنفة الذّكر ، الآية (٢٥) من سورة فصّلت ، فتقول :
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).
«الآية الثانية» : من هذه الآيات محل البحث ، تتحدث عن الأشخاص الذين عاشوا مع
__________________
١ ـ سورة الزخرف ، الآية ٣٩.