العلمي والمعرفي للأفراد ، فإنّ التجربة أثبتت أنّ الإنسان ، كلّما إرتقى مستواه في دائرة العلوم والمعارف الإلهيّة ، أينعت سجاياه الإنسانيّة ، وتفتحت فضائله الأخلاقيّة ، والعكس صحيح ، فإنّ الجهل وفقدان المعارف الإلهيّة ، يؤثر تأثيراً شديداً على دعامات واسس الفضيلة ، ويهبط بالمستوى الأخلاقي للفرد ، في خطّ الإنحراف والباطل.
وفي بداية هذا الكتاب ، في مبحث علاقة العلم بالإخلاق ، ذكرنا أبحاثاً مختصرةً عن الأواصر الحاكمة بين هذين العاملين ، وأشرنا إلى أنّ بعض الفلاسفة والعلماء ، بالغوا في الأمر وإدعوا أنّ : «العلم يساوي الأخلاق».
وبعبارة اخرى : أنّ العلم أو الحكمة والمعرفة ، هي المنبع الرّئيسي للأخلاق ، «كما نُقل عن سقراط الحكيم» ، وأنّ الرّذائل الأخلاقيّة سببها الجهل.
فمثلاً المتكبّر والحاسد ، إنّما إبتلى بهذين الرذيلتين ، بسبب عدم علمه بواقع الحال ، فلا توجد عنده صورةٌ واضحةٌ عن أضرارهما وتبعاتهما السلبيّة ، على واقع الإنسان الدّاخلي ، ويقولون أنّه لا يوجد إنسان يخطو خطوةً نحو القبائح عن وعيٍ وعلمٍ بها.
وبناءً على ذلك ، إذا تمّ الصّعود بالمستوى العلمي لدى أفراد المجتمع ، فإنّ ذلك بإمكانه ، أن يكون عاملاً مساعداً ، لتشييد صرح الهيكل الأخلاقي السّليم في المجتمع.
وبالطّبع فإنّ هذا الكلام فيه نوع من المُغالاة والمُبالغة ، ويُنظر للمسألة من زوايةٍ خاصّةٍ ، رغم أننا لا ننكر أنّ العلم يُعدّ من العوامل المهمّة لتهيئة الأرضيّة ، وخَلقِ الأجواء الملائمة لِسيادة الأخلاق ، بناءً على ذلك فإنّ الأفراد الاميّين والجهلة ، يكونون أقرب إلى منحدر الضّلالة والخطيئة ، وأمّا العلماء الواعون ، فيكونون على بصيرةٍ من أمرهم ويبتعدون عن الرّذيلة ، من موقع الوضوح في الرّؤية ، ولا ننسى أنّ لكلّ قاعدةٍ شَواذ.
وقد ورد في القرآن الكريم هذا المعنى ، في بيان الهدف من البعثة : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١).
__________________
١ ـ سورة الجمعة ، الآية ٢.