هؤلاء يدّعون أنّه لا يوجد إنسان يتجه نحو الرّذيلة وهو على علم بها ، وإذا ما شخّصَ الإنسان الفضيلة فسوف لن يتركها ، ولذلك يتوجّب علينا كسب العلم ، ومعرفة الخير وتمييزه من الشر لنا ولغيرنا ، كي تزرع في نفوسنا بذور الفضائل الأخلاقية!.
وفي المقابل يوجد من ينفي هذهِ العلاقة بين الإثنين بالكامل ، لأنّ العلم والذكاء للإنسان المجرم سيكون عاملاً مساعداً له في إرتكاب جرائم أخطر ، وعلى حدّ تعبير المثل الذي يقول : (إذا كان مع اللص مصباحاً فانه سوف ينتفي البضائع الجيدة).
ولكن الحق والإنصاف أنّه ليس بإمكاننا نفي تأثير العلم بالكامل ، ولا نفي معلولية أحداهما للاخر.
والشّاهد على ذلك المُثل الحيّة التي نراها في المجتمع ، فكثيراً ما شاهدنا اناساً كانوا يفعلون الرذائل ، وعند ما أدركوا قبح فعالهم ونتائجها السيئة ، أقلعوا عنها وإتجهوا نحو الفضائل ، ووجدنا هذا الأمر حتى في وقتنا الحاضر هذا.
وفي المقابل نعرف أشخاصاً عندهم المعرفة التامة بالخير والشرّ ، ولكنهم يُصرّون على الشرّ وهو متأصل في نفوسهم.
وكلّ ذلك لأنّ الإنسان لديه بُعدان : بعد العلم والادراك وبُعد عملي ، وهو الميول والغرائز والشّهوات ، ولأجل ذلك فساعةً يميل الى هذا ، وساعةً يُرجحُ ذلك.
والذي يقول بأحد القولين ، فانه يفترض أنّ الإنسان فيه بُعدٌ واحد لا أكثر ، ويغفل عن وجود البعد الآخر.
ونشير هنا إلى الآيات القرآنية التي وردت في هذا الباب ، والتي أكدت على التّأثير المتبادل بين عُنصر الجهل وسوء العمل ، قال تعالى :
(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ؛)(١).
ويوجد شبيه لهذا المعنى في سورة النساء : الآية (١٧) ، وسورة النحل : الآية (١١٩).
ومن البديهي أنّ الجهل المذكور ليس هو الجهل المطلق الذي لا يوائم التوبة ، بل هو مرتبةٌ من مراتب الجهل ، فإذا إرتفع فسوف يهتدي الإنسان بعدها للطّريق القويم.
__________________
١ ـ سورة الأنعام ، الآية ٥٤.