وهنا يمكن قبول رأي ثالث ، وهو أنّ قبول التّوبة أمر عقلائي ، يعني أنّ العقل وإن لم يوجب قبول التّوبة والعُذر ، ولكنّ بناءَ العُقلاء في العالم كلّه ، مبنيٌّ على قبول عذر الخاطيء ، وإقالة عثرته ، إذا ما عاد عن غَيّه ، وأصلح أعماله السّيئة ، وجَبر ما كسره ، وأرضى خصمائه بطرقٍ مختِلفَةٍ ، فهذا الموقف هو بناء العقلاء في العالم أجمع ، فلو أصرّ شخص على نفي هذا المبدأ العقلائي ، ولم يقبله في سلوكه إتجّاه المُعتذر ، فسيعتبر حقوداً وخارجاً عن موازين الإنسانية والأخلاق.
ولا شك أنّ الله تعالى ، وهو القادر والغني عن العالمين ، أَوْلى وأجدر من عباده بالعفو والمغفرة ، وقبول عذر التائب ، وعدم إنزال العقاب عليه.
ويمكن القول بأكثر من ذلك ، وهو وجوب قبول التّوبة ، لدى العقل الذي يعتمد على قاعدة : «قُبح نَقض الغَرض».
وتوضيح ذلك : نحن نعلم أنّ الباري تعالى ، غنيٌّ عن عباده وطاعة العالمين ، وإن كلّفنا بشيءٍ فهو لطفٌ منه ، للسير في خطّ التّكامل والتّربية ، فالصّلاة والصّيام تُربّي النّفس وتُقرّب الإنسان من الله تعالى ، وكذلك سائر الواجبات ، فلها قِسطٌ في عمليّة التّكامل الإنساني.
فنقرأ عن الحج : «لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُم» (١).
ونقرأ في الآيات الاخرى ، أنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (٢) ، والصّوم سبب للتّقوى (٣) ، والزّكاة لتطهير الأفراد والمجتمع من الرذائل الأخلاقيّة والإنحرافات (٤).
وإعتبرت الرّوايات الإيمان ، سبباً للطهارة من الشّرك ، والصّلاة لِدرء الكِبَر عن الإنسان ، والحجّ سبباً لوحدة المسلمين ، والجهاد لِعزّة المسلمين .... (٥)
وعليه فإنّ كلّ التّكاليف الإلهيّة ، هي من أسباب سعادة الإنسان ، وتكامله في خط الإيمان
__________________
١ ـ سورة الحج ، الآية ٢٨.
٢ ـ سورة العنكبوت ، الآية ٤٥.
٣ ـ سورة البقرة ، الآية ١٨٣.
٤ ـ سورة التوبة ، الآية ١٠٣.
٥ ـ نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، مقتبسة من جملة رقم (٢٥٢).