ومن المعاني الاخرى «لِلنيّة» ، هو إختلاف الدّوافع ، بالنّسبة لِلأعمال الّتي تكون على هيئةٍ واحدةٍ في الظّاهر ، فالذّهاب للجهاد ، يمكن أن يكون الباعث له هو كسب الغنائم ، أو الإستعلاء على النّاس ، أو يكون دافِعُهُ نصرة الحقّ ، ودفع الظّلم ، وإطفاء نار الفِتن ، وأمثال ذلك.
فالذّهاب لِلحرب ، واحدٌ في الشّكل والظّاهر ، ولكن شتّان بين النّوايا السّليمة ، وبين النّوايا المغرضة.
ولأجل ذلك ، أتت الأوامر بإصلاح النيّة ، وتنقيتها من الشّوائب ، قبل السّلوك في أيّ طريق ، وما السّالك في خطّ الله ، والكمال المعنوي بِمُستثنى عن ذلك ، فهل أنّ هدفه من سلوك سبيل التهذيب والرياضة ، هو التّكامل المعنوي ، والوصال الحقيقي ، أم أنّه يريد كسب عنصر القّوة في عالم النفس ، والتّسلط على ما وراء الطّبيعة ، ليشار إليه بِالبَنان؟!.
وما وردنا من حديثٍ : «إِنّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ» ، هو إشارةٌ لهذا المعنى ، وَوَرد الحديث في موسوعة : بحار الأنوار ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : «إِنّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكُلِّ امرِءٍ ما نَوى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، فَهِجْرَتُهُ إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كانَتْ هِجرَتُهُ إِلى دُنيا يُصِيبَها أو إِمرَأَةٍ يَتَزَوَّجَها فَهِجْرَتُهُ إِلى ما هاجَرَ إِلَيهِ» (١).
وكذلك الحديث الوارد عن علي عليهالسلام ، حيث يقول : «عَلى قَدْرِ النِّيَّةِ تَكُونُ مِنَ الله عَطِيَّةٌ» (٢).
فهو إشارةٌ إلى نفس المعنى الآنف الذكر.
ويُستفاد مما تقدم ، أنّه ولأجل الوصول إلى المقاصد والأهداف المنشودة ، في أيّ أمرٍ وعملٍ ، وخصوصاً المصيريّة منها ، علينا أن نتحرّك في دائرة العمل ، بإرادةٍ قويّةٍ وعزمٍ راسخٍ ، في مُواجهة التحدّيات الصّعبة ، لتحقيق الأهداف المرسومة ، وبدون ذلك ، سيحل فينا عنصر اليأس والحيرة والضّياع.
وكذلك هو حال السّائر في طريق تهذيب النّفس ، وإصلاح الخَلل في واقعه الداخلي ، عليه البِدء بإرادةٍ حديديّةٍ ، ويدعمها بالتوكّل على الباري تعالى ، في عمليّة السّلوك المعنوي ، ويمكن
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٧ ، ص ٢١١ ، وورد في هامشه ، أن هذا الحديث متفق عليه عند جميع المسلمين ، ثم يشير إلى كلام البخاري في صحيحه ، في كتاب الإيمان ، ص ٢٣.
٢ ـ غُرر الحِكَم ، ح ١٥٩٤.