بعض الشّيء ، فلم أجد مكاناً في الصّف المقدّم ، فإضطررت للوقوف خلف الجميع ، فشعرت في نفسي بالأذى من ذلك ، وتنبّهت لهذه المسألة ، فأعدت جميع الصّلوات لأنّها كانت رياء؟!
بالطّبع ، الإفراط والتّفريط في هذه المسألة ، مَثَلُه كَمَثَلِ بقيّةِ المسائل ، غير محمودٍ ، وخطأٌ محضٌ ، والمفروض التَّنبّه للرياء من خلال تتبع مقدماته وعلاماته ، ولا نَدع مجالاً للوساوس في إطار إكتشاف هذه الحالة السّلبية ، في دائرة السّلوك الخارجي ، والواقع النّفسي ، ولعلماء الأخلاق الأفاضل أبحاثٌ لطيفةٌ في هذا المضمار ، ومنهم العلّامة المرحوم الفَيض الكاشاني ؛ ، فقد طرح سؤالاً في كتابه : «المحجّة البيضاء» ، وقال : فبأيّ علامةٍ يُعرف العالم والواعِظ ، أنّه صادق مخلصٌ في وعظه ، غير مريدٍ رئاء النّاس؟.
قال في جواب هذا السؤال : «فاعلم أنّ لذلك علاماتٍ ، إحداها أنّه لو ظهر من هو أحسن منه وعظاً وأغزرُ منه علماً ، والنّاس له أشدّ قبولاً ، فرح به ولم يحسده ، نعم لا بأسَ بالغِبطة ، وهي : أن يتمنّى لنفسه مثل عمله ، والاخرى أنّ الأكابِر إذا حَضروا مجلسه لم يتغيّر كلامه ، بل يبقى كما كان عليه ، فينظر إلى الخلق بعينٍ واحدةٍ ، والاخرى : أن لا يحبّ إتّباع النّاس له في الطريق ، والمشي خلفه في الأسواق ، ولذلك علاماتٌ كثيرةٌ يطول إحصاؤها» (١).
وأفضل المعايير لمعرفة المرائي من غيره ، هو ما وردنا عن الأئمّة الأطهار ، ومن جملة الأحاديث :
١ ـ في حديثٍ عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، قال : «أَمّا عَلامَةُ المُرائي فَأرْبَعَةٌ : يَحْرُصُ في العَمَلِ للهِ إِذا كانَ عِنْدَهُ أَحَدٌ وَيَكْسَلُ إِذا كانَ وَحْدَهُ وَيَحْرُصُ في كُلِّ أَمْرِهِ عَلَى الَمحمَدَةِ وَيُحْسِنُ سَمْتَهُ بِجُهْدِهِ» (٢).
٢ ـ وَوَرد في نفس هذا المعنى في حديثٍ عن أمير المؤمنين ، بألفاظٍ جميلةٍ ، فقال : «لِلمُرائي أرْبَعة عَلاماتٍ :
يَكْسَلُ إذا كانَ وَحدَهُ ،
وَيَنْشُطُ إِذا كانَ في النّاسِ ،
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٦ ، ص ٢٠٠.
٢ ـ تُحف العقول ، ص ١٧.