وإذا أدركنا هذه الحقيقة القرآنية التي تقرر أنّ العزّة لله تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)(١).
أجل إذا ترسّخَ الإيمان بهذه الحقائق الإيمانيّة في أعماق الرّوح ، فلا يجد الإنسان في نفسه باعثاً على الرّياء والنّفاق ، وكسب الجاه والمقام لدى الناس والمُفاخرة والمُباهاة.
وقال بعض علماء الأخلاق ، إنّ دعامة الرّياء وأساسِه هو حبّ الجاه والمُقام ، وعند تحليلنا لمفهوم الرّياء ، نجد أنّه يتكون من ثلاثة أركانٍ :
«حبّ الثّناء والمدح من الناس» ، و «الفرار من مذمّتهم» ، و «الطّمع لِما في أيديهم».
ثم يضرب لذلك مثلاً وهو المجاهد في سبيل الله ، فتارةً يكون قصدُه المُباهاة والمفاخرة ، وإظهار شجاعته وبطولاته للناس ، واخرى خوفاً من أن يتّهمه الناس بالجُبن والخوف ، وثالثةً يكون دافعه الحصول على الغنائم ، والفائز الوحيد ، هو الذي يدافع عن الحقّ والدّين لا غير.
هذا من جهةٍ ، ومن جهةٍ اخرى ، عند ما يتأمل الإنسان في سلبيات الرّياء وأضراره ونتائجه القاتلة ، نرى أنّه كالنّار التي تقع على عبادات الإنسان وطاعاته ، فتحوّلها إلى رماد تذروه الرّياح ، ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب ، بل هو ذنبٌ عظيمٌ يسوّد وجه صاحبه في الدّنيا والآخرة ...
الرّياء : حشرة الإرضة التي تَنخر دَعامات بيت سعادة الإنسان ، لينهار به في وادٍ سحيقٍ من الشّقاء والظلّام ..
والرّياء بدوره نوعٌ من أنواع الكفر والنّفاق والشّرك ...
والرّياء يسحق الشّخصيّة والحريّة والكرامة ، وأشدّ النّاس بؤساً يوم القيامة ، المراؤون.
فهذه حقائقٌ تردع الإنسان ، وتبعده عن ذلك الأمر الشّينع.
ولا ننسى أنّ المرائي سيفتَضِح ، إن عاجلاً أو آجلاً في هذه الدّنيا ، وستظهر حقيقته الزّائفة على فلتات لسانه وشَطحات كلماته ، وهذا العامل له قسطٌ من التأثير في عمليّة الرّدع النّفسي ، لحالة الرّياء في واقع الإنسان ، مضافاً إلى أنّ لذّة العمل الصالح ، والنيّة الطيّبة التي تطرأ على
__________________
١ ـ سورة النّساء ، الآية ١٣٩.