والفم ، لتكوين وتأليف الأصوات بسرعةٍ فائقةِ دقيقةٍ جدّاً ، حتى يصل إلى الحُنجرة ، التي تقوم بتقطيعه وتقسيمه حسب الحاجة.
ثم إنّ قصّة وضع اللّغات البشريّة ، وتعدّدها وتنوّعها هي قصةٌ عجيبةٌ ومعقدةٌ ، وتزيد من أهميّة الموضوع ، «يقول بعض العلماء : أنّ عددَ لُغات العالم ، وصل إلى حوالي (٣٠٠٠) لغة».
ونحن نعلم أنّ هذا العدد لن يتوقف عند هذا الحد ، وأنّ عدد اللّغات في تزايدٍ مُستمرٍ.
فهذه النّعمة الإلهيّة ، هي من أهم وأغرب وألطف النّعم ، والتي لها دورٌ فاعلٌ في حياة الإنسان وتكامله ورقيّه ، وهي الوسيلة ، لتقارب البشر وتوطيد العلاقات فيما بينهم ، على جميع المستويات.
وقد إنعكست هذه المسألة ، في الرّوايات بصورةٍ واسعةٍ ، ومنها ما وَرد عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «ما الإِنسانَ لَو لا اللّسانُ إِلّا صُورَةٌ مُمَثَّلَةٌ أَو بَهَيمَةٌ مُهمَلَةٌ» (١).
والحقُّ ما قاله الإمام عليهالسلام ، لأنّه لو لا اللسان فعلاً لَما إمتاز الإنسان عن الحيوان ، وَوَرد في حديثٍ آخر ، عن الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله : «الجَمالُ فِي اللّسانِ» (٢).
ونقل هذا الحديث بصورة اخرى ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام : «الجَمالُ في اللّسانِ والكَمالِ في العَقلِ» (٣).
ونختم بحديثٍ آخرٍ عن عن الإمام علي عليهالسلام ، فقال : «إِنّ فِي الإِنسانِ عَشَرَ خِصَالٍ يُظْهِرُها لِسانُهُ ، شاهِدٌ يُخْبِرُ عَنِ الضَّميرِ ، وَحاكِمٌ يَفْصِلْ بَينَ الخِطابِ ، وَناطِقٌ يَرُدُّ بِهِ الجَوابَ ، وَشافِعٌ يُدْرِكُ بِهِ الحاجَةَ ، وَواصِفٌ يَعْرِفُ بِهِ الأشياءَ ، وَأَمِيرٌ يأمُرُ بِالحَسَنِ ، وَوَاعِظٌ يَنهى عَنِ القَبِيحِ ، وَمُعَزٍّ تَسْكُنُ بِهِ الأحزانُ ، وَحاضِرٌ (حامِدٌ) تُجْلى بِهِ الضَّغائِنُ ، وَمُونِقٌ تَلَذُّ بِهِ الأَسماعُ» (٤).
ولحسن الختام ، نعرج على كتاب : «المحجّة البيضاء» في «تهذيب الأحياء».
__________________
١ ـ غُرر الحِكم ، الرقم (٩٦٤٤).
٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ١٤١ ، ح ٢٤.
٣ ـ المصدر السّابق ، ج ٧٥ ، ص ٨٠ ، ح ٦٤.
٤ ـ الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٠ ، ح ٤.