٣ ـ ويمكن لهذا الحديث ، أن يدلّنا على : «برهان العلّة والمعلول» ، فكلّ إنسان يَتَفكر في نفسه ، قليلاً فسوف يعرف أنّه معلول ، لعلّةٍ اخرى منذ وجوده ، وعند ما ينظر لأبيه سيراه هو أيضاً معلولاً لعلّةٍ اخرى ، وهكذا حتى يصلَ إلى علّةِ العلل ، وإلّا يلزم التسّلسل ، وبطلان التّسلسل ، أمرٌ مفروغٌ عنه لدى الحكماء (١).
وعليه ، يجب أن تصل العلل إلى العلّة الاولى ، التي لا تحتاج إلى عِلّة ، فعلّة العِلل : وجوده في ذاته ، فعند ما يرى الإنسان نفسه بهذا الوصف ، فإنّه سيصل إلى الباري سبحانه وتعالى ، من خلال هذا القانون العقلي.
٤ ـ ويمكن أن يكون هذا الحديث ، إشارة إلى «بُرهان الفطرة» ، فعند ما يعرف الإنسان في تأمل حَنايا نفسه ، وجَوانب فطرته ، فسوف يتجلّى له نورُ التّوحيد ، وينفتح على الله تعالى ، ويصل من «معرفة النفس» ، إلى «معرفة الله» ، ولن يحتاج إلى دليلٍ آخر يقوده إلى الله تعالى.
٥ ـ ويمكن أن يكون الحديث ، ناظراً إلى مسألة : «صفات الله تعالى» ، بمعنى أنّ الإنسان عند ما يرى محدوديّته ، في دائرة حالاته وصفاته في عامل الإمكان ، سيصل إلى نقاطِ ضعفهُ ويُدرك من خلال محدوديّته في مجال الصّفات البشريّة ، لا محدوديّة الله تعالى ، لأنّه لو كان مخلوقاً مثله ، لكان محدوداً أيضاً ، ومن فنائه إلى بَقائه تَبارك وتعالى ، لأنّه لو كان مخلوقاً أيضاً لكان فانياً ، وكذلك يُدرك من خلال إحتياجاته وفَقره ، إستغناء الله وعدم حاجته عمّا سواه ، ويُدرك قوّة الباري من خلال فَقره وحاجته هو ... وهكذا ، وهذا ما يشير إلى كلام أمير المؤمنين عليهالسلام ، في أوّل خطبةٍ ، حيث يقول :
«وَكَمالُ الإِخلاصِ لَهُ نَفي الصِّفات عَنْهُ ، لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصُوفِ ، وَشَهادَةِ كُلِّ مَوصُوفٍ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ» (٢).
٦ ـ ونقل العلّامة المجلسي رحمهالله ، تفسيراً آخر لهذا الحديث ، عن بعض العلماء ، أنّه قال : (الرّوح لطيفةٌ لاهوتيّة في صفةٍ ناسوتيّةٌ : دالّةٌ من عشرة أوجهٍ ، على وحدانيّة الله وَرَبّانِيَّتِهْ :
١ ـ لما حرّكت التهيكَل ودبّرته ، علمنا أنّه لا بدّ لِلعالم من مُحرّكٍ ومُدبِّرٍ.
__________________
١ ـ من أراد التّوضيح ، فيراجع كتاب : «نفحات القرآن ج ٢».
٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١.