وتلك الغَشاوات عن النّفس ، فلن يستطيع الإنسان أن يعرف ذاته ، ونوازعها وستغلق دونه أبواب المعرفة الاخرى ، التي تريد به النّهوض والوصول إلى الحقّ ، في خطّ التّكامل المعنوي ، والتّحذيرات التي صدرت من رسولنا الكريم صلىاللهعليهوآله ، شاهدٌ حيٌّ على مدّعانا ، منها :
«إذا أَرادَ اللهُ بِعَبدٍ خَيراً فَقَّهَهُ في الدِّينِ وَزَهّدَهُ في الدُّنيا وَبَصَّرَهُ عُيوبَهُ» (١).
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام ، في حديثٍ آخر : «جَهْلُ المَرءِ بِعُيوبِهِ مِنْ أَكبَرِ ذُنُوبِهِ» (٢).
ويُفرض علينا هذا السؤال نفسه ، وهو أنّه كيف يستطيع الإنسان ، أن يُزيل تلك الغَشاوات والحُجب ، التي ترين على نفسه وروحه؟.
هنا أتحفنا الفيض الكاشاني في هذا المجال ، بنصائح قيمةٍ ، فقال :
(اعلم أنّ الله تعالى ، إذا أراد بعبدٍ خيراً بصّره بعيوب نفسه ، فَمن كَملت بَصيرته لم تخف عليه عيوبه ، وإذا عرف العيوب أمكنه العلاج ، ولكنّ أكثر الخلقِ جاهلون بعيوب أنفسهم ، يرى أحدهم القَذى في عينِ أخيه ولا يرى الجذع في عينه هو ، فمن أراد أن يقف على عيب نفسه ، فله أربع طُرق :
الأوّل : أنّ يجلس بين يدي بصيرٍ بعيوب النّفس ، مطّلعٌ على خَفايا الآفات ، ويحكّمه على نفسه ، ويتّبع إشارته في مجاهداته ، وهذا قد عزّ في هذا الزمان وجوده.
الثاني : أن يطلب : صديقاً صدوقاً بصيراً متديّناً ، فينصبه رقيباً على نفسه ، ليُراقب أحواله وأفعاله ، فما يكرهه من أخلاقهِ وأفعاله وعيوبه الباطنة والظّاهرة ، ينبّهه عَلَيها. فهكذا كان يفعل الأكابر من أئمّة الدّين ، كان بعضهم يقول : «رحم الله إمرءً أهدى إليّ عيوبي» (٣) ، وكلّ من كان أوفر عقلاً وأعلى منصباً ، كان أقلّ إعجاباً وأعظم اتّهاماً لنفسه ، إلّا أنّ هذا أيضاً قد عزّ ، فقلّ في الأصدقاء من يترك المُداهنة ، فيخبر بالعَيب ، أو يترك الحسد فلا يزيد على القدر الواجب ، فلا يَخلو أصدقاؤك عن حَسودٍ ، أو صاحب غرض ، يرى ما ليس بعيب عيباً ، أو عن
__________________
١ ـ نهج الفصاحة ، ص ٢٦ ، وورد نفس هذا المعنى عن الإمام الصّادق عليهالسلام ، في اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٣٠.
٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٤١٩.
٣ ـ تُحف العقول ، ص ٣٦٦.