وأشارت «الآية الثّالثة» ، إلى علاقة الصّلاة بالنّهي عن الفَحشاء والمنكر ، وخاطبت الرّسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، بإعتباره قدوة واسوة للآخرين ، فقالت : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ).
«فالفَحشاء والمنكر» ، عبارةٌ عَنْ مجموعة الأفعال غير الأخلاقيّة ، التي تنبع وتنشأ من الصّفات الأخلاقيّة ، والنّزعات الشّريرة الموجودة في مطاوي النّفس البشرية ، حيث تؤثّر بدورها في سلوك الإنسان ، وتفرز الأخلاق الظاهريّة لَه ، و «الصّلاة» تمثّل أَداةَ ردعٍ لتلك الأخلاق المنحرفة ، في دائرة السّلوك ، لأنّ الأذكار والأدعية ، تعمل على تهذيب النّفس ، وترويضها وتطويعها في طريقِ الخَير والصّلاح ، وحالة القُرب من الباري تعالى ، هذه هي التي تتولى إبعاد الإنسان عن منبع الشّر والرّذيلة ، الذي هو عبارةٌ عن هوى النّفس وحبّ الدنيا ، من خلال الإنفتاح على آفاق المَلكوت ، لِتَغرف نفسه من أنوار القُدس ، وترتفع به إلى عالم الخلودِ والكَمالِ المُطلق.
فالمصلّي الحقيقي سيبتعد عن الفحشاء والمنكر لا مُحالة ، لأنّ الصّلاة والعِبادة تَصون النّفس من المنكرات ، وتحول دون إختراق الرذائل للنّفس الإنسانية ، وتعمل على تَفعيل عناصر الخَير ، في أعماق الوِجدان.
وتحدّثت «الآية الرابعة» عن حالة الجَزع والبخل ، اللّذان هما من السجّايا الوضيعة في واقع الإنسان ، وخُصوصاً الجَزع في حالة سيطرة المشكلات والشّرور ، والبُخل في حالة إنفتاح أبواب الثّراء أمام الإنسان ، وإستثنت الآية المصلّين ، وقالت : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ).
فهذه الآيات الكريمة ، تبيّن لنا بصورِةٍ جيدةٍ ، أنّ التّوجه لله تعالى ، والسّير في خطّ العبادة والدُّعاء والمناجات ، له دورٌ هامّ في مَحو الرّذائل الأخلاقيّة ، من قبيل البُخل والجّزع من واقع النّفس.