وتشيرُ «الآية الخامسة» ، إلى تطهير النّفس ، بواسطة «الزّكاة» ، والتي بدورها تُعتبر ، من العبادات الإسلامِيَّةِ المُهِمَّةِ ، في ديننا الحنيف ، فتقول : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها).
وجُملة : (تُزَكِّيهِمْ بِها) ، هي دليلٌ واضحٌ على هذه الحقيقة ، وهي أنّ الزّكاة تعمل على تطهير النفس ، من البَخل والحِرص وحُبِّ الدنيا ، وتزرع في نفسه صفة الكرم ، وحبّ الخير لِلناس ، وتثير في نفسه الحركة ، على مستوى حمِاية الفقراء والمحتاجين.
وما ورد من روايات في هذا الصدد ، تبيّن هذه الحقيقة أيضاً ، ومنها الحديث النبوي الشريف : «ما تَصَدَّقَ أَحَدُكُم بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ ـ وَلا يَقْبَلُ اللهُ إلّا الطّيِّبَ ـ ، إلّا أَخَذَها الرَّحمانُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كانَتْ تَمْرَةً فَتَربُو مِنْ كَفِّ الرَّحمانِ في الجِنان حَتّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ» (١).
هذا الحديث الشّريف يبيّن تلك العلاقة الوثيقة المباشرة ، بين هذه العبادة المهمّة وبين توطيد العلاقة مع الله تعالى ، وتفعيل الحالات المعنوية في واقع الإنسان ومحتواه الداخلي.
وتتحرك «الآية السّادسة» ، من موقع الإشارة إلى عبادة مهمّةٍ اخرَى ، وهي عبادة : «الذِّكر» ، للهِ تعالى ، وما لَها من دورٍ في بعث الطّمأنينة ، في واقع الرّوح فتقول : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
فالطّمأنينة تقترنُ دائماً مع التّوكل على الباري تعالى ؛ وعدم الوقوع في أسر الماديّات والامور الدنيويّة ، من الإنخداع بِبَريق الدُنيا ، والطّمع والبُخل والحَسد وما شابهها من الامور ، فَمع وجود هذه الحالات السّيئة في واقع النفس ، فسوف لن يذوق الإنسان معها الرّاحة والطّمأنينة.
وعليه ، فإنّ ذكر الله تعالى بإمكانه إزالة هذه الصّفات السّلبية عن القلب ، وتطهير النّفس منها لِتَتَهيأ الأرضيّة المساعدة ، في تَفتّح براعم السّكينة والطّمأنينة في واقع القلب والرّوح.
أو بتعبيرٍ أدق ، إنّ جميع الإضطرابات الرّوحية ، وأشكال القلق النّفسي ، في واقع الذّات
__________________
١ ـ صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ٧٠٢ ، طبع بيروت.