منك هذا العمل لِلمرّة الثّالثة ، فسوف تَنقطع العلاقة بيني وبينك ، وننفصل في هذا السّفر ، فعلم موسى عليهالسلام ، أنّ في قَتل الغلام سِرّاً مُهمّاً ، فآثر السّكوت ، ليتّضح له السرّ فيما بعد.
وتَلَتها الحادثة الثّالثة ، وقد وردوا في قَريةٍ ، فلم يُضيفوهما ولم يعبؤوا بِهما ، فَوجد الخِضر عليهالسلام جداراً يُريد أن يَنقضّ ، فَأقامَه عليهالسلام ، وطلب العَون من موسى عليهالسلام في هذا الأمر ، فَرمَّم الجِدار ، فضاق موسى ذَرعاً بالأمر ، فَصاح : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً).
فأين يكون موضع التّعامل مع هؤلاء من موقع الرّحمة ، مع كلّ تلك القساوة التي واجهوها من أهل تلك القرية؟.
وهنا أعلن الخِضر عليهالسلام إنفصاله عن موسى عليهالسلام ، لأنّه نقض العَهد ثلاثَ مرّاتٍ ، ولكنّه وقبل الفِراق ، أعلمه بالأسرار لتلك الحوادث الثّلاثة ، فقال له : إنّ السّفينة كانت لِمساكين ، وكان عندهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ سَليمةٍ غَصباً ، فَأعَبْتُها كَيْ لا يأخذها منهم ، والشّاب المقتول ، كان يستحق الإعدام ، لأنّه كافرٌ ومرّتدٌ ، وكان الخوف على أبويه من موقع التّأثير عليهما ، ولئّلا يحملهما على الكفر.
والجِدار كان ليتيمين في المدينة ، وكان تَحته كنزٌ لَهُما ، وكان أبوهما صالحاً ، فأراد ربّك أن يستخرجا كنزهما فيما بَعد ، ليعيشا بذلك المال ، ثم أكدّ عليه أن كلّ ذلك كان بأمر الله تعالى ، وليس تصرّفاً من وَحي أفكاري (١).
رجع بعدها موسى عليهالسلام ، محّملاً بمعارفٍ وعلومٍ في غاية الأهميّة.
ونحن بدورنا نستلهم من تلك القصّة ، عدّة دروسٍ ، منها :
١ ـ العثور على معلّمٍ مطّلع حكيمٍ للتعلّم عنده ، والإستنارة من نور علمه ، أمرٌ من الأهميّة بمكان ، بحيث امِرَ رسول من رُسل اولى العزم بذلك ، وقد قطع المسافات الطويلة كي يَدرس عنده ، ويقتبس من فَيض علمه.
٢ ـ عَدم تعجّل الامور ، وإنتظار الفرصة المُناسبة ، أو كما يُقال : «إنّ الامور مرَهونةٌ بِأَوقاتها».
__________________
١ ـ مضمون الآيات : (٦ ـ ٨٠) ، من سورة الكهف ، (مع التلخيص).