ذلك لوجود نقطةٍ مضيئةٍ وبصيصٍ من الأمل في أعماق قلبه ، وهو تمسّكه بالولاية ، حيث أدّى إلى أن يتحرّك الإمام عليهالسلام إلى نجدته وإنقاذه ، في آخر لحظات حياته وأيّام عمره.
والّنموذج الآخر لهذا التّأثير المعنوي ، والولاية التكوينيّة في تهذيب النّفوس المستعدّة ، هو ما نقله العلّامة المجلسي رحمهالله في بحار الأنوار ، عن الإمام الكاظم عليهالسلام ، والجارية التي أرسلها هارون إليه.
فقد وَرد أنّ هارون الرّشيد ، أنفذَ إلى موسى بن جعفر عليهالسلام جاريةً خصيفةٌ ، لها جمالٌ ووضاءةٌ لتخدمه في السّجن ، فقال له : (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)(١) ، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ، قال : إستطار هارون غَضباً ، وقال : إرجع إليه وقل له : ليس بِرضاك حبَسناك ، ولا بِرضاك أخذناك ، وإترك الجارية عنده وإنصرف.
قال : فَمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه ، وأنفذَ الخادم إليه ليتفحص عن حالها ، فرآها ساجدةً لربّها لا ترفعُ رأسها ، تقول : قُدّوسٌ سُبحانك سُبحانك.
فقال هاورن : سَحرها والله موسى بن جعفر بسحره ، عليّ بها ، فأتى بها وهي تَرتَعد ، شاخصةً نحو السّماء بصرها ، فقال : ما شأنك؟.
قالت : شأني الشّأن البديع ، إنّي كنت عنده واقفةً ، وهو قائمٌ يصلّي ليله ونهاره ، فلمّا إنصرف عن صلاته بوجهه ، وهو يسبّح الله ويقدّسه ، قلت : يا سيّدي هلْ لك حاجة اعطيكها؟
قال : وما حاجتي إليك؟
قلت : إنّي ادخلت عليك لِحوائجك.
قال : ما بالُ هؤلاء؟.
قالت : فآلتفتُ فإذا روضةٌ مزهرةٌ ، لا أبلغ آخرها من أوّله بنظري ، ولا أوّلها من آخرها ، فيها مجالسُ مفروشة بالوِشيّ والدّيباج ، وعليها وصفاً وَوَصائِف ، لم أر مثل وجوههم حُسناً ، ولا مِثل لباسهم لِباساً ، عليهم الحَرير الأخضر ، والأكليلُ والدّر والياقوت ، وفي أيديهم الأباريق والمَناديل ، ومن كلّ الطّعام ، فخَررت ساجدةً حتّى أقامني هذا الخادم ؛ فرأيت نفسي حيثُ كنت.
__________________
١ ـ سورة النّمل ، الآية ٣٦.