لأن الله عزوجل عالم بما كان منهم من الأعمال والأقوال على ربهم ، أي : عند ربهم ؛ كقوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : ٣٠] [أي : عند ربهم](١) وتأويله ما ذكرنا يعرضون على ربهم لأنفسهم ؛ لأنهم إنما يؤمرون وينهون ويمتحنون لأنفسهم ولمنفعة أنفسهم فيكون عرضهم لهم ، أو أن يكون قوله : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ) على ما وعدهم ربهم في الدنيا ، أو يقول : أولئك يعرضون لأنفسهم على ربهم من غير غيبة كانت منه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) : اختلف فيه : قيل : الأشهاد : الرسل والأنبياء (٢).
وقال بعضهم : الأشهاد : الملائكة (٣).
وقال بعضهم : الأشهاد : المؤمنون. فمن قال : هم الأنبياء والمؤمنون ؛ فهو كقوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ١٤٣] ؛ وكقوله : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١] ومن قال : هم الملائكة ؛ كقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨] ، وقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ ...) الآية [الانفطار : ١٠ ـ ١١] ، ونحوه.
ومعناه ـ والله أعلم ـ أنه (٤) : تعرض أعمالهم وأقوالهم على أنفسهم فإن أقروا بها بعثوا إلى النار ، وإن أنكروا يشهد عليهم ما ذكر من الشهداء فإن أنكروا يقال له : (اقْرَأْ كِتابَكَ ...) الآية [الإسراء : ١٤] ، فإن أنكروا ذلك [فعند ذلك](٥) تشهد عليهم جوارحهم ؛ كقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ...) الآية [النور : ٢٤].
ويحتمل أن يكون الملائكة نادوا في ملأ الخلق قبل أن يدخلوا النار : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم.
ويحتمل ما ذكر من (٦) شهادة الذين كانوا موكلين بكتابة أعمالهم وأقوالهم يخبرون عما
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٢) (١٨١٠٢) عن الضحاك ، وذكره البغوي (٢ / ٣٧٨) ونسبه للضحاك وابن عباس.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٢) عن كل من : مجاهد (١٨٠٩٥ و ١٨٠٩٦ و ١٨١٠٠) ، قتادة (١٨٠٩٧ و ١٨٠٩٨ و ١٨٠٩٩) ، الأعمش (١٨١٠١).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٨٨) وعزاه لابن جرير عن مجاهد.
(٤) في أ : أن قوله.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : في.