أحدهما : على العلم ، أي : إني أعلم أنه ينزل بكم العذاب ؛ نحو قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) [النساء : ٣٥] أي : علمتم.
وقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩] أي : فإن علمتم أن يضيعا حدود الله.
والثاني : يخاف عليهم (١) إشفاقا منه ؛ لأن الخلق جبلوا على أن يتألم بما يحل بغير حتى لا يكون في وسع بعض أن يروا ذلك في غيره. على هذين الوجهين يخرج الخوف على غيره ، وفي الخوف رجاء وفي الرجاء خوف ؛ لأن الخوف إذا لم يكن فيه رجاء فهو إياس ، وقال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧] ، والرجاء إذا لم يكن فيه خوف فهو أمن قال : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا ...) كذا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) : قيل : أشراف قومه وأئمتهم (٢).
(ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) : وكذلك قال عامة القوم لرسلهم الذين بعثوا إليهم : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [يس : ١٥] ، كان هذا احتجاجهم في رد الرسالات (٣) يحتجون على الرسل فيقولون ـ والله أعلم ـ : إن الرسل في الشاهد إنما يجيئون من عند المرسل ، وأنتم نشأتم بين أظهرنا لم تأتونا من [عند] أحد في الظاهر ، والرسول هو الذي يأتي من عند غير ، ويكون للرسول خصوصية عند المرسل ، ولا نرى لك خصوصية لا في الخلقة ولا في القدرة والمال وغيره ، فكيف بعثتم إلينا رسلا دون أن نبعث نحن إليكم رسلا ؛ إذ أنتم ونحن في الخلقة سواء وفي الأمور الظاهرة سواء؟! أو نحوه من الكلام ، احتجوا على رسلهم في رد الرسالة ؛ وكذلك كان عادة الكفرة يقولون للرسل إذا لزمتهم الحجة وأقيم عليهم نسبوها إلى السحر ، ونسبوا الرسل أنهم بشر مثلهم.
فجواب هذا كله ما ذكر : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [إبراهيم : ١١] ، وما قال لهم نوح : (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) أي : آتاني رحمة من عنده ، وجعل لي بينة وبرهانا على ما آتاني رحمة من عنده بمثل هذا يحتج عليهم.
ويقال أيضا : إنكم لا تنكرون فضل الله وتخصيص بعض على بعض بما جعلكم أئمة ورؤساء بأمور الدنيا على غيرهم ، فكيف تنكرون فضل الله وتخصيص بعض على بعض بفضل الدين والرسالة؟!.
__________________
(١) في أ : عليكم.
(٢) ذكره البغوي (٢ / ٣٨٠).
(٣) في أ : الرسالة.