وقوله : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) : احتجوا أيضا في رد الرسالة يقولون : إن الأراذل هم أتباع لكل من دعاهم وأهل طاعة لكل متبوع ، فليس في اتباع الأراذل إياك والضعفاء (١) دلالة ثبوت رسالتك ؛ إذ هم يتبعون بلا دليل ولا حجة وهم فروع وأتباع لغير ، ولم يتبعك أحد من الأصول.
لكن يقال : إن هؤلاء الأراذل لما اتبعوا الرسول ولم يتبعوا الأئمة والرؤساء الذين معهم الأموال والدنيا ، ولم يكن في أيدي الرسل ذلك ، ثم تركوا اتباع أولئك وفي أيديهم ما يدعوهم إليه واتبعوا الرسل دل أنهم إنما اتبعوا الرسل بالحجج والبراهين التي أقاموها عليهم أو نحوه.
والأراذل : قيل : هم السفهاء (٢) والضعفاء (٣).
وقال القتبي (٤) : أراذلنا : شرارنا.
و (بادِيَ الرَّأْيِ) [قال بعضهم : ظاهر الرأي ؛](٥) من قولك : بدا لي ما كان خفيا.
وقال بعضهم : بادي الرأي : خفيف الرأي لا يعرفون حقائق الأمور ، إنما يعرفون (٦) ظواهرها ، كأنهم يقولون : إنما اتبعك من كان خفيف الرأي وباديه ، لم يتبعك من يعرف حقائق الأمور والأصول.
وقد قرئ : بادئ الرأي بالهمز ، وقد قرئ بغير همز. ومن قرأ بالهمز فهو من الابتداء ، أي : في أول الرأي وابتدائه لا ينظر في عواقب الأمور. ومن قرأ بغير همز فهو من الظهور ، أي : ظاهر الرأى على غير تفكر ونظر فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ...) الآية : يحتمل هذا أي : فضلا في الخلقة ، أو في ملك أو مال (٧) ولا في شيء ، لكن جواب هذا ما سبق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) : هكذا كانت عادة الكفرة ، يردون دلالات الرسل والحجج بالظن لم يردوا لحقيقة ظهرت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : على بيان من
__________________
(١) في أ : الضعفة.
(٢) في أ : السفلة.
(٣) ذكره ابن جرير (٧ / ٢٨) وكذا البغوي (٢ / ٣٨٠).
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٠٣).
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : يفهمون.
(٧) في أ : ولا مال.