ربي ، أو على حجة من ربي وبرهان فيما آتاني من رحمته. والرحمة تحتمل النبوة لأنهم (١) كانوا ينكرون رسالته لما أنه بشر مثلهم ، فكيف خص هو بها دونهم وهو مثلهم؟! فيقول : (وَآتانِي رَحْمَةً) أي : النبوة ، وآتاني ـ أيضا ـ على ذلك بينة وحجة. وتحتمل الرحمة الدين الذي كان يدعوهم إليه والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) : قرئ بالتخفيف والتشديد ، أي : لبست ، أو التبس عليكم حيث أعرضتم عنه.
ومن قرأ ، بالتشديد : فعميت عليكم يرجع إلى الأتباع والسفلة ، أي : عميت عليهم القادة والرؤساء منهم ولبست. وعميت بالتخفيف أي : التبس ، وعمي على القادة والرؤساء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنُلْزِمُكُمُوها) أي : أنوجبها عليكم ، وهي التي ذكر أنه آتاها إياه أو البينة التي ذكر أيضا أو الدين الذي كان يدعوهم إليه ، أي : لا نوجبها عليكم ولا نلزمها ، وأنتم لها كارهون بلا حجة ولا برهان.
(وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي : لا نلزمها لكم بلا حجة شئتم أو أبيتم ولكن بحجة.
وفيه أن الدين لا يقبل بالإكراه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً) : على تبليغ الرسالة إليكم ، أو على إقامة الحجة على ما أدعي من الرسالة ، أو على الدين الذي يدعوهم إليه ، أي : لا أسألكم على ذلك أجرا ، فلما ذا تعرضون عما أدعوكم إليه وأقيمه عليكم ليكون لكم الاحتجاج أو الاعتذار؟! وكذلك يخرج قوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور : ٤٠] [أي : لا تسألهم أجرا على ما تبلغه إليهم ويدعوهم إليه](٢) ، فيمنعهم ثقل ذلك العزم إجابتكم إياه ، فعلى ذلك الأول ذكر هذا ؛ لأن ما يلحق الإنسان من الضرر إنما يمنعه عن الإذعان بالحق [للخلق](٣) والإقبال إليه والقيام بوفائه ، أو يمنع ذلك لما لا يتبين له الحق لئلا يكون لهم الاحتجاج والاعتلال عند الله وإن لم يكن لهم حجة ؛ وكقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥] ليس على أنه إذا سألهم على ذلك أجرا يكون لهم عذر في ردّ ذلك وترك الإجابة له ؛ إذ لله أن يكلفهم الإجابة والطاعة له بالمال وبغير المال.
__________________
(١) في أ : كأنهم.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في أ : أي : لا نسألهم أجرا على ما نبلغه إليكم وندعوكم إليه.
(٣) سقط في ب.