والثاني : بقوله : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه وأبلغكم إياه مالا ، مع حاجتي وقلة مالي ، فيقع عندكم أني أدعوكم إليه رغبة فيما في أيديكم من الأموال أو لمنفعة نفسي بل إنما أدعوكم إلى ما أدعوكم إليه لمنفعة أنفسكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) أي : ما أجري إلا على الله في ذلك ليس عليكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) : فيه دلالة أنهم كأنهم كانوا سألوا رسولهم أن يتخذ لهم مجلسا على حدة ، ويفرد لهم ذلك دون الأراذل والضعفاء الذين اتبعوه ويطرد الضعفاء ؛ وهو كقوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ...) الآية [الأنعام : ٥٢].
وقال أهل التأويل : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : ما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الأراذل والضعفاء عندكم ؛ لقولهم حيث قالوا : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(١) [هود : ٢٧] لأنهم يقولون : اتبعوك الأراذل ظاهرا ، وأما في الباطن فليسوا على ذلك ؛ ولذلك قال : (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ) [هود : ٣١] يعني : ما في قلوب السفلة فيقول : ما أنا بطارد الذين آمنوا ظاهرا الله أعلم بما في قلوبهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) يحتمل وجهين ؛ أي : ملاقو ربهم فيشكون مني إليه في رد إيمانهم ، ويخاصمونني في ذلك ويطالبونني في طردي إياهم.
والثاني : أنهم ملاقو ربهم بإيمانهم ظاهرا كان إيمانهم أو باطنا [أي في أي حال هم يلاقون](٢) ربهم فيجزيهم بما هم عليه ؛ كقوله : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) يحتمل تجهلون ما أدعوكم إليه أو تجهلون في قولكم : إنهم إنما آمنوا واتبعوا في ظاهر الحال ، وأما في السر فلا ، أو تجهلون ما يلحقني في طردهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) : أي : (٣) من يمنعني من عذاب الله ، (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) : على ما تدعونني إليه ، أو من يمنعني من عذاب الله إن لم أقبل منهم الإيمان.
__________________
(١) زاد في ب : ظاهر الرأي.
(٢) في أ : حالهم ملاقون.
(٣) في أ : أو.