[الطارق : ٦] أي : مدفوق ، وأصله لا عاصم أي : لا شيء يمنع اليوم من نزول عذاب الله عليهم ولا دافع لهم منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ...) الآية ، فقال : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ).
هذا ـ والله أعلم ـ كان عند نوح أن ابنه كان على دينه لما لعله كان يظهر الموافقة له ، وإلا لا يحتمل أن يقول : إن ابني من أهلي ويسأله نجاته ، وقد سبق منه النهي في سؤال مثله حيث قال : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) ولا يحتمل أن يكون يعلم أنه على غير دينه ، ثم يسأل له النجاة بعد ما نهاه عن المخاطبة في الذين ظلموا ، فقال : إنه ليس من أهلك في الباطن والسر ، وإلا خرج هذا القول مخرج تكذيب رسوله ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه كان في الظاهر عنده أنه على دينه لما كان يظهر له الموافقة ، وكان لا يعرف ما يضمره فسأله على الظاهر الذي عنده ؛ وكذلك أهل النفاق كانوا يظهرون الموافقة لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه ويضمرون الخلاف له ، وكانوا لا يعرفون نفاقهم إلا بعد اطلاع الله إياه ؛ فعلى ذلك نوح كان لا يعرف ما كان يضمر هو لذلك خرج سؤاله فقال : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الذي وعدت النجاة لهم ، أو ليس من أهلك ؛ لأنه لم يؤمن بي ولم يصدقك فيما أخبرت أنه عمل غير صالح.
روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) أنه كان يقرأ : عمل غير صالح بغير تنوين (٢). وعن
__________________
(١) قرأ الكسائي : عمل فعلا ماضيا ، وغير نصبا.
والباقون (عمل) بفتح الميم وتنوينه على أنه اسم ، و (غير) بالرفع.
فقراءة الكسائي : الضمير فيها يتعين عوده على ابن نوح ، وفاعل «عمل» ضمير يعود عليه أيضا ، و «غير» مفعول به. ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، تقديره : عمل عملا غير صالح ؛ كقوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) [المؤمنون : ٥١] ، وقيل : إنه ذو عمل باطل ؛ فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه.
وأما قراءة الباقين ، ففي الضمير أربعة أوجه :
أظهرها : أنه عائد على ابن نوح ، ويكون في الإخبار عنه بالمصدر المذاهب الثلاثة في «رجل عدل» ، و «زيد كرم وجود».
والثاني : أنه يعود على النداء المفهوم من قوله : (وَنادى) ، أي : نداؤك وسؤالك.
وإلى هذا ذهب أبو البقاء ومكي والزمخشري. وهذا فيه خطر عظيم ، كيف يقال ذلك في حق نبي من الأنبياء ، فضلا عن أول رسول أرسل إلى أهل الأرض بعد آدم ، عليهما الصلاة والسلام؟! ولما حكاه الزمخشري قال : «وليس بذاك» ولقد أصاب. واستدل من قال بذلك أن في حرف عبد الله ابن مسعود : إنه عمل غير صالح أن تسألنى ما ليس لك به علم وهذا مخالف للسواد.
الثالث : أنه يعود على ركوب ابن نوح المدلول عليه بقوله : (ارْكَبْ مَعَنا).
الرابع : أنه يعود على تركه الركوب ، وكونه مع المؤمنين ، أي : أن تركه الركوب مع المؤمنين وكونه مع الكافرين عمل غير صالح. ـ