وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) : هو كما نهى رسول الله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) وأمثاله ، وإن كان معلوما أنه لا يكون من الجاهلين ، وهو ما ذكرنا أن العصمة لا تمنع النهي عن الشيء ، بل بالنهي تظهر العصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) إني أعوذ بك أن أعود إلى سؤال لا أعلم بالإذن في السؤال هذا يحتمل.
وقوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي : إن لم ترحمني (١) بالعصمة من العود إلى مثله أكن من الخاسرين ، هذا يشبه أن يكون.
ويحتمل أن يكون ذكر هذا لما لا يستوجبون المغفرة والرحمة إلا برحمة الله وفضله ، على ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله» ، قيل : ولا أنت يا رسول الله ، قال : «ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته» (٢).
وقوله تعالى : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) : هو طلب المغفرة بالكناية (٣) ، وهو أبلغ وأكبر من قوله : اللهم اغفر لي ؛ لأن في قوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي) قطع رجاء المغفرة من غيره ، وإخبار ألّا يملك أحد ذلك ، وليس في قوله : اغفر لي قطع كون ذلك من غيره ؛ لذلك كان ذلك أبلغ من هذا ، وكذلك سؤال آدم وحواء المغفرة حيث قالا : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا ...) الآية [الأعراف : ٢٣] ، هو سؤال بالكناية فهو أبلغ في السؤال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ) : قال بعضهم : أي : انزل من الجودي إلى قرار الأرض ، وقال بعضهم : قوله : (اهْبِطْ) [أي](٤) : انزل وأقم على المقام والمكث في المكان ، ليس على الهبوط من مكان مرتفع إلى مكان منحدر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) : السلام هو أن يسلم عن الشرور والآفات ، والبركة هي نيل كل خير وبرّ على غير تبعة ، ثم هما في التحصيل واحد ؛ لأنه إذا سلم عن كل شر وآفة نال كل خير وبر ، وإذا نال كل خير سلم عن كل شر وآفة ، هما في الحقيقة واحد لكنهما في العبارة مختلف ، وهو كالبر والتقوى من العبد : البر هو كسب كل خير ، والتقوى هو اتقاء كل شر ومعصية ، هما في العبارة مختلفان وفي الحقيقة واحد ؛
__________________
(١) في أ : لم تغفر لي.
(٢) أخرجه بمعناه البخاري (١١ / ٣٠٠) كتاب الرقاق ، باب القصد والمداومة (٦٤٦٣) ومسلم (٤ / ٢١٦٩) كتاب صفات المنافقين ، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله (٧١ / ٢٨١٦) عن أبي هريرة.
(٣) في أ : بالكتابة.
(٤) سقط في ب.