وقال عامة أهل التأويل (١) : هو من الدعاء لا من الدعوى ، يقولون : إنهم إذا اشتهوا طعاما أو شرابا وتمنوا شيئا فيدعونه بقوله : (سُبْحانَكَ اللهُمَ) فيؤتون ما تمنوا واشتهوا ؛ لما ذكر أنه لا تنقطع اللذات في الجنة ، ولو كان ما يقولون لكان فيه انقطاع اللذات والشهوات ، إلا أن يقال : إنهم يلهمون شهوات وأماني فيشتهون ، وقال الله ـ عزوجل ـ : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) [فصلت : ٣١] (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [الواقعة : ٢٠ ، ٢١] ولا نعلم ما أراد به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سُبْحانَكَ اللهُمَ) يخرج على وجوه :
أحدها : يخبر أنه ليس على أهل الجنة من العبادات شيء سوى التوحيد وهو كلمة التوحيد.
والثاني : يقولون ذلك لعظيم ما رأوا من النعيم وعجيب ما عاينوا.
والثالث : شكرا لما أعطاهم من ألوان النعيم والأطعمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ).
قال أهل التأويل (٢) : إن الملائكة يأتون (٣) بما اشتهوا ويسلمون عليهم ويردون السلام على الملائكة ؛ فذلك قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) ، فإذا طعموا وفرغوا قالوا عند ذلك : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وهو قول ابن عباس وغيره من أهل التأويل ، ويشبه أن يكون قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) والسلام (٤) الذي لا عيب فيه ولا مطعن ، أي كلام بعضهم لبعض منزه منقى من جميع العيوب والمطاعن ؛ كقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) [الواقعة : ٢٥] الآية ، وقوله : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٦] ونحوه.
وقوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
قال أهل التأويل (٥) : يقولون على أثر فراغهم من الطعام والشراب ذلك.
وقال الحسن : إن الله رضي عن عباده بالشكر لما أنعم عليهم في الدنيا والآخرة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، ويشبه أن يكون قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) أي دعواهم في الآخرة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، كما كان دعواهم في الدنيا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
__________________
(١) انظر تفسير ابن جرير (٦ / ٥٣٥) والبغوي (٢ / ٣٤٥).
(٢) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن جرير (١٧٥٧٨) وابن المنذر وأبو الشيخ عنه كما في الدر المنثور (٣ / ٥٣٩).
(٣) زاد في أ : من ألوان النعيم.
(٤) في أ : والكلام.
(٥) هذا القول هو تمام قول ابن جريج السابق.