خارجة عما عاينوا من النوق وشاهدوها ، وهكذا كانت آيات الرسل كانت خارجة عن وسع البشر وطوقهم ؛ ليعلم أنها سماوية.
ثم لا نعرف أية خصوصية كانت لها عظم جسمها وغلظ بدنها ، حيث قسم الشرب بينهم وبينها حتى جعل يوما لها ويوما لهم بقوله : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الشعراء : ١٥٥] ، ولم يقسم مراعيها بينها وبينهم بقوله : (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) ، وأما ما قاله بعض الناس : إنها خرجت من صخرة كذا ، وأنها كانت تحلب كل يوم كذا وأشياء أخر ذكروها ، فإنا لا نعرف ذلك ولا نقطع القول فيه أنه كان كذلك ، سوى أنا نعرف أن لها كانت خصوصية ليست تلك الخصوصية لغيرها من النوق ، ولو كانت لنا إلى تلك الخصوصية حاجة لبينتها لنا (١) ، وأصله ما ذكرنا أنه إذا أضيف جزئية الأشياء إلى الله تعالى فهو على تعظيم تلك الجزئيات المضافة إليه ، وإذا أضيف إليه كلية الأشياء فهو على إرادة التعظيم لله والتبجيل له ؛ نحو قوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [المائدة : ٤٠] (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) [النمل : ٩١] ونحوه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) نهاهم أن يمسوها بسوء ، ولم يبين ما ذلك السوء ، فيحتمل أن يكون ذلك شيء عرفوا هم ونهاهم عن ذلك. وقال بعض أهل التأويل : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) أي : لا تعقروها فيأخذكم عذاب قريب (٢) ، لما كان ذلك على أثر عقرهم الناقة بثلاثة أيام حيث قال : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) ، وما ذكر أيضا أن وجوههم اصفرت في اليوم الأول ، ثم احمرت في اليوم الثاني ، ثم اسودت في اليوم الثالث ، ثم نزل بهم العذاب في اليوم الرابع ، فذلك أيضا مما لا نعرفه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَذابٌ قَرِيبٌ) قيل : سريعا لا تمهلون حتى تعذبوا.
وقوله : (ذلِكَ وَعْدٌ) من الله (غَيْرُ مَكْذُوبٍ) : ليس فيه كذب ، وكان عذابهم إنما نزل على أثر سؤال الآية ، سألوا ذلك فلما أن جاءهم بها كذبوها ، فنزل بهم العذاب ، وهكذا السنة في الأمم السالفة أنهم إذا سألوا الآية فجاءتهم فلم يؤمنوا بها نزل بهم العذاب ، وهو قوله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها ...) الآية [الإسراء : ٥٩] ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : لها.
(٢) ذكره ابن جرير (٧ / ٦٣) ، والبغوي (٢ / ٣٩١).