قد قيل هذا ، ولكنا لا نعلم ما كانوا يرجون فيه ، وأما المعنى الذي قالوا له قد كنت فينا مرجوا سوى أنا نعلم أنه كان مرجوا فيهم بالعقل والدين والعلم والبصيرة (١) ونحوه ، فكان مرجوا فيهم بالأشياء التي ذكرنا. هذا نعلمه ولا نعلم ما عنى أولئك بقولهم : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : إن كنت على حجة وبرهان وبيان من ربي فيما أدعوكم إلى توحيد الله وصرف العبادة إليه.
والثاني : قوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : قد كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة يحتمل قوله : رحمة أي : آتاني هدى ونبوة من عنده.
(فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) أي : من يمنعني من عذاب الله إن عصيته ورجعت إلى دينكم ، أي : لا أحد ينصرني إن أجبتكم إلى ما دعوتموني إليه ، أي : لا أحد ينصرني دون الله لو أجبتكم وأطعتكم فيما دعوتموني إليه.
ثم الذي دعوه إليه يحتمل ترك تبليغ الرسالة إليهم ، أو دعوه إلى عبادة الأصنام التي عبدوها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ) : قيل فيه بوجوه :
قيل : فما تزيدونني بمجادلتكم إياي فيما تجادلونني إلا خسرانا.
وقال بعضهم : فما تزدادون بمعصيتكم إياي إلا خسرانا لأنفسكم.
وقال القتبي (٢) : غير تخسير ، أي : غير نقصان.
وقال أبو عوسجة : غير تخسير هو من الخسران ، يقال : خسرته أي : ألزمته الخسران.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) : قال لهم هذا حين سألوا منه الآية ، فقال : هذه ناقة الله لكم آية على صدق صالح فيما ادعى من الرسالة ، أو هذه ناقة الله لكم [فذروها تأكل في أرض الله ، قال لهم هذا حين سألوا منه الآية ، فقال : هذه ناقة الله لكم آية](٣) ، أي : لكم آية التي سألتموها من الرسالة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ناقَةُ اللهِ) : أضاف إليه لخصوصية كانت فيها نحن لا نعرف ذلك ، ليست تلك الخصوصية في غيرها من النوق ؛ لما (٤) جعلها آية لرسالته ونبوته
__________________
(١) في أ : والصبر.
(٢) ينظر : غريب القرآن لابن قتيبة (٢٠٥).
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : مما.