وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ).
قال بعضهم : نكرهم وأنكرهم واستنكرهم : واحد (١) ، وهو من الإنكار ، أي : لم يعرفهم ؛ ظن أنهم لصوص ؛ لأن اللصوص من عادتهم أنهم كانوا إذا أرادوا السرقة من قوم لم يتناولوا من طعامهم ، ولم يأكلوا شيئا عندهم.
وقيل : نكرهم أنهم من البشر.
(وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً).
قيل (٢) : أضمر منهم خوفا (٣) ، قال بعضهم : خاف لما ظن أنهم سراق ولصوص ؛ حيث لم يتناولوا شيئا مما قدم إليهم.
وقال بعضهم : خيفة ، أي : وحشة : أي : أضمر وحشة ، حيث لم يتناولوا شيئا مما قرب إليهم ؛ فحينئذ علم أنهم ليسوا من البشر ؛ لأن منزل إبراهيم كان ينأى من البلد ، ولم ينزل أحد من البشر إلا وقد احتاج إلى الطعام ، فلما لم يتناولوا علم أنهم ليسوا من البشر ، فما جاءوا إلا لأمر عظيم : لتعذيب قوم وهلاكهم ؛ فخاف لذلك ؛ فقالوا : (لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) [وقال في موضع آخر : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً ...) الآية [الذاريات : ٣٢ ، ٣٣]. وقال في موضع آخر : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ)](٤).
وقال في موضع آخر : (لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) [الذاريات : ٢٨] ، وقال : (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) يذكر هاهنا أن قولهم : (إِنَّا أُرْسِلْنا) على أثر سؤال ، وفيما نحن فيه لا كذلك ؛ فالمعنى فيه ـ والله أعلم ـ أن ذلك كان على أثر سؤال إبراهيم بقوله : (فَما خَطْبُكُمْ) ، لكنه جمع ذلك فيما نحن فيه بالحكاية عن قولهم ، وإن كان مفصولا عنه ، وخرجت الحكاية في موضع آخر على ما كان في الحقيقة ، وذلك مستقيم في كلام العرب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ).
قال بعضهم : قائمة على رءوس الأضياف ؛ لأنها كانت عجوز ، ولا بأس لعجوز ذلك ؛ ألا ترى إلى قول الله ـ تعالى ـ (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ ...) الآية [النور : ٦٠].
__________________
(١) ذكره ابن جرير (٧ / ٧٠) ، والبغوي (٢ / ٣٩٢) ، وأبو حيان (٥ / ٢٤٢).
(٢) ذكره ابن جرير (٧ / ٧٠) ، والبغوي (٢ / ٣٩٢).
(٣) في أ : خيفة.
(٤) ما بين المعقوفين سقط في أ.