والثاني : لقضي أجلهم ؛ أي : يجعل أجلهم ذلك ، ففيه دلالة ألّا يهلك أحد قبل أجله و](١) لا يقدم ولا يؤخر ، فهو ما ذكر : (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) [سبأ : ٣٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
هو ما ذكرنا أن من حكمه ألا يعاقب. أحدا من الكفرة في [الدنيا بصنيعه](٢) الذي صنع ، وقد يعجل لهم جزاء خيراتهم في الدنيا ؛ كما ساق إليهم من أنواع النعم ، ولكن من حكمه أن يؤخر عقوبتهم إلى يوم القيامة ؛ فذلك تأويله ، والله أعلم.
(فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي : نتركهم يترددون في أعمالهم ، [وجرمهم إلى](٣) الوقت الذي وعد لهم العذاب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) : قال بعض أهل التأويل : إن جميع ما ذكر في القرآن الإنسان فالمراد منه الكافر (٤) ؛ من ذلك قوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) [الانشقاق : ٦] ، وقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] ، وقوله : (وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ ـ ٢] ونحوه ، لكن هذا لا نعلم أنه أراد به الكافر ، فلئن كان ما ذكروا فإن أهل الإيمان يدخلون في هذا (٥) الخطاب ، إذا كان منهم ما يكون من الكفرة ؛ لأن من أهل الإيمان من يقبل على الدعاء والتضرع إلى الله عند مس الحاجة والشدة ، فإذا انجلى ذلك وانكشف عنه ترك ذلك الدعاء الذي كان دعا ، وذلك التضرع الذي كان يتضرع إليه ، فدخل في ذلك (٦).
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) في أ : الكفر بصنعه.
(٣) في أ : وأخبر أنهم إلى.
(٤) ذكره ابن عادل في اللباب (١٠ / ٢٧٨).
(٥) في ب : ذلك.
(٦) وقيل : المراد بالإنسان : الجنس ، وهذه الأحوال بالنسبة إلى المجموع ، أي : منهم من يدعو مستلقيا ، ومنهم من يدعو قائما ، أو يراد به شخص واحد ، جمع بين هذه الأحوال الثلاثة بحسب الأوقات ، فيدعو في وقت على هذه الحال ، وفي وقت على أخرى ، والصحيح أن المراد ب (الإنسان) الجنس ، وقال آخرون : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان فالمراد به : الكافر. وهذا باطل ؛ لقوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ)[الانشقاق : ٦ ، ٧] لا شبهة في أن المؤمن داخل ، وكذا قوله (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)[الإنسان : ١] ، وقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)[المؤمنون : ١٢] ، وقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)[ق : ١٩] والحق : أن اللفظ المفرد المحلى بالألف واللام ، إن حصل معهود سابق ، صرف إليه ، وإن لم يحصل معهود سابق ، حمل على الاستغراق ؛ صونا له عن الإجمال والتعطيل. ينظر اللباب (١٠ / ٢٧٨).