كذبتموها ، يعذبكم كما عذب أولئك ؛ إذ من حكمه الإهلاك على أثر السؤال ، كأنه ينهى أهل مكة عن سؤال الآيات ، فإن على إثره الإهلاك إذا لم يقبلوها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يحتمل البينات التي تبين ما يؤتى وما يتقى ، وقد ذكرناها في غير موضع.
(وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) : يخبر رسوله أنهم وإن سألوك الآيات فإذا جئت بها فإنهم لا يؤمنون ، يعني : أهل مكة.
(كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) : كل مجرم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ).
يحتمل قوله : (خَلائِفَ) أي : جعل أنفسكم خلف أنفس أولئك الذين لم يهلكهم ، يخرج هذا مخرج تذكير النعمة والامتنان والرحمة ، يذكرهم أنه لو شاء أهلك الكل ، فلا يكون هؤلاء خلف أولئك ، ولكن بفضله ورحمته أبقاكم.
ويحتمل قوله : (جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ) [أولئك في المحنة والعبادة أي : جعل عليكم من المحنة والعبادة كما كان على آبائكم من المحنة والعبادة.
ويشبه أن يكون قوله جعلناكم خلائف](١) الذين لم يظلموا ، فكيف لا تتبعونهم ؛ لأن الذين ظلموا قد أهلكتهم ، فأنتم خلائف أولئك الذين لم يظلموا ولم يكذبوا الرسل ، فكيف لا تتبعونهم كأنهم ادعوا أن آباءهم كانوا على ما هم عليه ، وأنهم على مذاهب آبائهم ، يقول : جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم ، أي : لست أنا بأول رسول أرسلت إليكم ، بل لم يزل الله [يرسل رسلا](٢) في الأمم ، فكان فيهم لهم أتباع يتبعون رسلهم إلى ما يدعونهم إليه ويجيبونهم ، فاتبعوني أنتم يا أهل مكة فيما دعيتم إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) : لم يزل الله تعالى عالما بما كان ويكون منهم من المعصية والطاعة ، ولكن ليعلمهم عصاة ومطيعين ؛ لأن المعصية إنما تكون بعد ما يكون النهي والطاعة إنما تكون بالأمر فيبتليكم فيعلمكم عصاة كما علم أنه يكون منكم معصية ويعلمكم مطيعين كما علم أنه يكون منكم الطاعة ، وقد ذكرنا أمثال هذا فيما تقدم ، والله أعلم.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) في أ : ينزل رسولا.