وقال بعضهم : غير تتبيب غير شر (١) ، والتتبيب (٢) : الشر ، والتبّ : الشر والخسران ، وهما واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى) أي : هكذا يأخذ كفار هذه الأمة كما أخذ أولئك ، أي : كما عذبنا الأمم الخالية وهي ظالمة مشركة كافرة ، كذلك نعذب هذه الأمة [لكن أخر عن هذه الأمة](٣) ، وفيه رحمة أن (أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) ، أي : أن أخذه بالعذاب أليم شديد ، الأخذ نفسه يوصف بالشدة ، ولكن لا يوصف بالألم ، والعذاب يوصف بالألم ، لكن لما وصف بالألم والشدة دل أن الأخذ أخذ بعذاب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) هو ما ذكرناه : فيه عبرة لأهل التقوى ولمن خاف عذاب الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) خصّ الناس بالذكر وإن كان الجمع لهم ولغيرهم ؛ لأن الآية التي ذكر تكون لهم آية ، أو لما هم المقصودون بالجمع بذلك اليوم ـ والله أعلم ـ قيل : يجمع فيه الأولون والآخرون (٤)(وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ).
قال بعضهم : يشهده أهل السماء وأهل الأرض للعرض والحساب ، والله أعلم (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) أي : ما نؤخر العذاب عن هذه الأمة إلا لأجل معدود ، وذكر هذا ـ والله أعلم ـ جواب ما استعجلوه من العذاب بقولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ونحوه ، فقال : وما نؤخر العذاب عنهم إلا لأجل معدود ، إلا لوقت موقوت ؛ أي : إلا لأجل معدود عند الله ، ولو كان ما ذكر ابن عباس أنه سبعة آلاف فيكون معدودا عند الناس ، ويكون وقت القيامة معلوما على قوله ، وقد أخبر الله : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي : لا تكلم نفس بالشفاعة لأحد إلا بإذنه ؛ كقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] أو لا تكلم نفس لأهوال ذلك اليوم ولفزعه ؛ كقوله : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ
__________________
(١) ذكره أبو حيان في البحر (٥ / ٢٦٠) ونسبه لابن زيد.
(٢) في ب : وقال التشبيب.
(٣) سقط في أ.
(٤) ذكره أبو حيان في البحر (٥ / ٢٦١) وكذا الرازي (١٨ / ٤٧).
(٥) أخرجه ابن جرير (٧ / ١١٣) (١٨٥٧٨) عن الضحاك ، وذكره السيوطي (٣ / ٦٣٣) وعزاه لابن جرير عن الضحاك ، وكذا البغوي (٢ / ٤٠١) ، والرازي (١٨ / ٤٨).