هَواءٌ) وكقوله : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) أو لا تكلم نفس من الأجلة والعظماء لأحد من دونهم بالشفاعة إلا بإذنه ، وهو ما ذكرناه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) : فمنهم شقي بأعماله الخبيثة التي إذا اختارها وعملها أدخلته [النار ، ومنهم سعيد بما أكرم من الطاعة والخيرات التي إذا اختارها وعملها أدخلته](١) الجنة ، وكل عمل يعمله فيدخله الجنة فهو سعيد به ، وكل عمل يعمله فيدخله النار فهو شقي به.
روي في ذلك خبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : لما نزلت هذه الآية : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) سألت النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا نبي الله ، فعلام نعمل ، على شيء قد فرغ منه أو شيء لم يفرغ منه؟ قال : «بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ، ولكن كل ميسر لما خلق له» (٢) فإن ثبت هذا فهو يدل لما ذكرناه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) لما ذكرناه (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) قال بعضهم : الزفير هو كزفير الحمار في الصدر ، وهو أول ما ينهق ، وأمّا الشهيق فهو (٣) كشهيق الحمار في الحلق ، فهو آخر ما يفرغ من نهيقه ، فهو شهيق.
وقال بعضهم : الزفير هو ما لا يفهم منه شيء إنما هو كالأنين والجزع من شيء يصيبه لا يتبين منه ؛ كقوله : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الملك : ٧] والشهيق هو ما يرتفع منه الصوت يسمى شهيقا.
ويحتمل ما ذكر من الزفير والشهيق أنهم يصيرون بعد كثرة دعائهم وندائهم حتى يكون منهم الزفير والشهيق (٤) لا يفهم ؛ كصوت الدواب إذا أصابها ألم.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ١١٤) (١٨٥٨٣) ، والترمذي (٥ / ١٨٧) باب «ومن سورة هود» (٣١١١) وقال : حسن غريب ، وعبد بن حميد (٢٠) وابن أبي عاصم في السنة (١٧٠) والبزار (١٦٨) وابن عدي في الكامل (٣ / ١١٢١).
(٣) في ب : وهو.
(٤) قال ابن الخطيب : إن الإنسان إذا عظم غمّه انحصر روح قلبه في داخل القلب ؛ فتقوى الحرارة وتعظم ، وعند ذلك يحتاج الإنسان إلى النفس القوى لأجل أن يستدخل هواء باردا حتى يقوى على ترويح تلك الحرارة ؛ فلهذا السبب يعظم في ذلك الوقت استدخال الهواء في داخل الصدر ، وحينئذ يرتفع صدره ، ولما كانت الحرارة الغريزية ، والروح الحيواني محصورا داخل القلب ، استولت البرودة على الأعضاء الخارجية ؛ فربما عجزت آلات النفس عن دفع ذلك الهواء فيبقى ذلك الهواء الكثير منحصرا في الصدر.
فعلى قول الأطباء : الزفير : هو استدخال الهواء الكثير لترويح الحرارة الحاصلة في القلب بسبب ـ