الذين يخرجون من النار من أهل التوحيد (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) يقول : لم يشقوا شقاء من يخلد في النار وقال في الذين سعدوا إلا ما شاء ربك هم أولئك الذين لم ينالوا من السعادة ما نال أهل الجنة الذين لم يدخلوا النار.
وفي بعضها [عن النبي](١) صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أما من يريد الله إخراجه [من النار](٢) فإنهم يماتون فيها إماتة» (٣).
وقال في خبر آخر : «أما من يريد الله له الخلود فلا يخرجون منها» وأمثال هذا من الأخبار ، فإن ثبت هذا فهو المعتمد.
وقال بعضهم : قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أي : قد شاء لأهل النار الأبد والخلود ، وشاء لأهل الجنة عطاء غير مجذوذ (٤) ؛ أي : غير منقطع.
ويؤيد هذا التأويل ما ذكر في حرف ابن مسعود وأبي : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) في الآيتين ؛ وفي الآية الأولى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) وفي الأخرى : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود وأبي أنهما لم يذكرا الثنيا في أهل الجنة (٥) ، وأصل هذا ما ذكر أبو عبيد قال : الاستثناء الذي هو في أهل السعادة فهو المشكل ؛ لأنه يقال : كيف يستثني وقد وعدهم خلود الأبد في الجنة. وقال في ذلك أقوالا لا أدرى إلى من تسند ، إلا أن لها مخارج في كلام العرب وشواهد في الآثار ، وإنما يتكلم الناس في هذا على معاني العربية ، والله أعلم بما أراد.
قال : فأحد هذه الوجوه في الاستثناء فيما يقال كالرجل يوجب على نفسه الشيء ليفعلنه ، ثم يقول : إن شاء الله ، وعزمه [و] ضميره مع استثنائه أنه فاعله ، لا يريد غيره.
ومما يقوي هذا المذهب قول الله ـ تعالى ـ : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [الفتح : ٢٧] فاستثنى ، وقد علم أنهم داخلوه البتة.
ومنه ما روي في حديث مكة عن النبي صلىاللهعليهوسلم حين قال : «ولا تحل لقطتها إلا لمنشد» (٦).
__________________
(١) في ب : عنه.
(٢) في ب : منها.
(٣) أخرجه مسلم (١ / ١٧٢ ، ١٧٣) كتاب الإيمان ، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار (٣٠٦ / ١٨٥) ، وابن ماجه (٥ / ٦٧٨) (٤٣٠٩) ، وأحمد (٣ / ٥ ، ١١ ، ٧٨) ، والدارمي (٢٨٢٠) ، وعبد بن حميد (٨٦٨).
(٤) في أ : محدود.
(٥) أي : لم يرد في هذا الحرف هنا قوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ).
(٦) أخرجه بمعناه البخاري (٤ / ٥٦) كتاب جزاء الصيد ، باب لا يحل القتال بمكة (١٨٣٤) وكتاب الحج ، باب فضل الحرم (١٥٨٧) ، ومسلم (٩٨٦) كتاب الحج ، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام (٤٤٥ / ١٣٥٣).