وقال بعضهم : استثنى المنشد وهي لا تحل له ، كما لا تحل لغيره.
والوجه الثاني بأن يكون «إلا» في معنى سوى ؛ فإن العرب تفعل ذلك ؛ تقول : عليك ألف درهم من قبل كذا وكذا ، إلا الألف التي قبل ذلك ؛ أي : سوى الألف التي قبل ذلك [وغير الألف التي قبل ذلك ، وإلا الألف التي قبل ذلك](١) ، فيكون المعنى على هذا أنه وعدهم خلود الأبد سوى ما أعد لهم من الزيادة في الكرامة والمنزلة التي لم يذكرها لهم.
ومما يقوي هذا التأويل ما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قال الله ـ تعالى ـ : أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما اطلعتم عليه» ثم قرأ : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ...)(٢) الآية [السجدة : ١٧] ؛ أفلا ترى أن هاهنا من الزيادة ما لم يطلعهم عليه.
والوجه الثالث : أن يكون الاستثناء من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين البعث والحساب ، وقد قيل ما ذكرناه أنه ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ الذي ذكر ، إلى أن يصيروا إلى الجنة ، ثم هو خلود الأبد ؛ يقول : فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في الحساب.
ومما يقوي هذا المذهب ما قيل في قوله : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) قيل : ما بين الموت والبعث ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) فقد اختلف القراء في قراءتها ؛ قرأها الكسائي وحمزة. بضم السين (سُعِدُوا) وأما أبو عمرو وأهل المدينة وغيرهم من القراء قرءوا بفتح السين (سُعِدُوا) على قياس (شَقُوا).
قال أبو عوسجة : لا أعرف سعدوا بضم السين ، وإنما هو سعدوا بفتح السين.
وقال أبو عوسجة (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي : غير مقطوع (٣) ؛ كقوله : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) أي قطعا ، وقد ذكرنا قولهم في الزفير والشهيق على قدر حفظنا له.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) أخرجه البخاري (٦ / ٣٦٦) كتاب في بدء الخلق ، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٣٢٤٤) وأطرافه في (٤٧٧٩ ، ٤٧٨٠ ، ٧٤٩٨) ومسلم (٤ / ٢١٧٤) كتاب الجنة وصفة نعيمها (٢ / ٢٨٢٤) ، والترمذي (٥ / ٣٢٣) كتاب التفسير ، باب من سورة السجدة (٣١٩٧) وابن ماجه (٢ / ٤٤٧) كتاب الزهد ، باب صفة الجنة (٤٣٢٨).
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ١١٩) عن كلّ من :
الضحاك (١٨٥٩٧) ، وقتادة (١٨٥٩٨) ، وابن عباس (١٨٥٩٩) ، ومجاهد (١٨٦٠٠ ، ١٨٦٠١ ، ١٨٦٠٢ ، ١٨٦٠٤) ، وأبو العالية (١٨٦٠٣ ، ١٨٦٠٥) ، وذكره البغوي وغيره (٢ / ٤٠٣).