بشارة الملك له والعز.
ثم قوله : (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
قال بعضهم : هو قول يوسف (١) حيث قال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ ...) الآية [يوسف : ٨٩] (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) [يوسف : ٩٠] هذا الذي نبأهم يوسف وهم لا يشعرون بذلك.
ويشبه أن يكون قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) أي : إلى يعقوب (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ، ويكون قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) هو ما قال لهم : (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ...) الآية [يوسف : ٨٧] أمرهم أن يطلبوه ويتحسسوا من أمره ؛ كأنه علم أنه حي ؛ كقوله (٢) : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنه حي ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) [يوسف : ٩٤] ولهذا قال حين ألقى الثوب على وجهه فارتد (٣) بصيرا : (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وذلك تأويل قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) إن كانت الآية في يعقوب ، وإن كانت في يوسف فهو ما ذكرنا ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) الآية.
فى الآية دلائل :
أحدها : أن من ارتكب صغيرة فإنه يخاف عليه التعذيب ، ولا يصير كافرا ، ومن ارتكب كبيرة لم يخرج من الإيمان ؛ لأن إخوة يوسف همّوا بقتل يوسف ، أو طرحه في الجب ، والتغييب عن وجه أبيه ، وإخلائه عنه ، وذلك لا يخلو منهم : إما أن تكون صغيرة أو كبيرة :
فإن كانت صغيرة فقد استغفروا عليها بقولهم : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ...) الآية [يوسف : ٩٧] ؛ دل أنهم إنما استغفروا لما خافوا العذاب عليها.
وإن كانت كبيرة فلم يخرجوا من الإيمان ؛ حيث صاروا أنبياء من بعد وصاروا قوما صالحين ؛ حيث قالوا : (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) [يوسف : ٩].
دل ما ذكرنا على نقض قول المعتزلة في صاحب الصغيرة أن لا تعذيب عليه ، وصاحب الكبيرة أنه خرج من الإيمان ، ونقض قول الخوارج في قولهم : إنه إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة صار به كافرا مشركا.
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٧ / ١٥٨) (١٨٨٤٣ ، ١٨٨٤٦) عن مجاهد ، والبغوي (٢ / ٤١٣).
(٢) في ب : لقوله.
(٣) في أ : وارتد.