وفيه نقض قول من يقول : إن من كذب متعمدا أو وعد فأخلف أو اؤتمن فخان يصير منافقا ؛ لأن إخوة يوسف اؤتمنوا فخانوا ، ووعدوا فأخلفوا ، وحدثوا فكذبوا ، فلم يصيروا منافقين ؛ لأنهم قالوا : أكله الذئب ، [ولم يأكله](١) ، وهو كذب ، واؤتمنوا ، فخانوا حين ألقوه في الجبّ ، ووعدوا أنهم يحفظونه ، ولم يحفظوه.
فإن قيل : روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ثلاث من علامات النفاق : من إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن [خان ، وإذا وعد أخلف]» (٢) فكيف يوفق بين الآية والخبر؟! إذ هو لا يحتمل النسخ ؛ لأنه خبر ، والخبر لا يحتمل النسخ.
قيل : يشبه أن يكون هذا في قوم خاص من الكفرة اؤتمنوا بما أودع في التوراة من نعت (٣) محمد ، فغيروه ، ووعدوا أن يبينوه ، فأخلفوا وكتموه ، وحدثوا أنهم بينوه ، فكذبوا ، أو يصير (٤) منافقا بما ذكر ، إذا كان ذلك في أمر الدين ، وأما في غيره : فإنه لا يصير به منافقا ، ولا يكون ذلك من أعلام المنافق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ).
هذا القول منهم له في الظاهر عظيم ؛ لأنهم قالوا : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) ، ولا يحتمل أن يكونوا عنده صدقة ثم يكذبهم ، يكون نبي من الأنبياء يعلم صدق إنسان ثم لا يصدقه ؛ هذا بعيد ، لكن يحتمل قولهم : وما أنت بمؤمن لنا في هذا ولو (٥) كنا صادقين عندك من قبل في غير هذا.
أو يكون قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، أي : تتهمنا ولا تصدقنا ؛ لأنه اتهمهم ؛ حيث قال : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) فاعترضت له التهمة ، وليس في الاتهام تكذيب ؛ إنما فيه الوقف ؛ لأن من ائتمن آخر في شيء ثم اتهمه فيه ، لا يكون في اتهامه إياه تكذيبه ؛ فعلى ذلك قولهم : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ، أي : تتهمنا لما سبقت من التهمة ولو كنا صادقين.
__________________
(١) في ب : ولما أكله.
(٢) أخرجه مسلم (١ / ٧٨) كتاب الإيمان ، باب بيان خصال المنافق (١٠٧ ، ١١٠ / ٥٩) ، والترمذي (٤ / ٣٧٣) باب ما جاء في علامة المنافق (٢٦٣١) ، وأحمد (٢ / ٣٩٧ ، ٥٣٦) ، وأبو يعلى (٦٥٣٣) ، وأبو عوانة (١ / ٢١) ، وابن عدي (٧ / ٢٦٩٩) ، والبغوي (٣٦) ، والبيهقي (٦ / ٢٨٨) عن أبي هريرة. وفي ب : فخان إذا وعد فأخلف.
(٣) في أ : بعث.
(٤) في أ : فيصير.
(٥) في أ : وما.