وفي بعض القراءات (١) : (هَيْتَ لَكَ) بالهمز ، ومعناه ما ذكرنا ؛ أي : تهيأت لك.
__________________
(١) قرأ نافع وابن ذكوان : هيت بكسر الهاء ، وسكون الياء ، وفتح التاء.
وقرأ ابن كثير : هيت بفتح الهاء ، وسكون الياء ، وتاء مضمومة.
وقرأ هشام هئت بكسر الهاء ، وهمزة ساكنة ، وتاء مفتوحة ، أو مضمومة.
وقرأ الباقون : هيت بفتح الهاء ، وياء ساكنة ، وتاء مفتوحة. فهذه خمس قراءات في السبع.
وقرأ ابن عباس ، وأبو الأسود ، والحسن ، وابن محيصن : بفتح الهاء ، وياء ساكنة وتاء مكسورة.
وحكى النحاس : أنه قرئ بكسر الهاء والتاء بينهما ياء ساكنة.
وقرأ ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أيضا : هييت بضم الهاء ، وكسر الياء بعدها ياء ساكنة ثم تاء مضمومة بزنة «حييت».
وقرأ زيد بن علي ، وابن أبي إسحاق : بكسر الهاء ، وياء ساكنة ، وتاء مضمومة. فهذه أربع قراءات في الشاذ ؛ فصارت تسع قراءات.
وقرأ السلمي ، وقتادة بكسر الهاء وضم التاء مهموزا ، يعنى : تهيأت لك ، وأنكره أبو عمرو ، والكسائي ، ولم يحك هذا عن العرب ؛ فيتعين كونها اسم فعل في غير قراءة ابن عباس هييت بزنة حييت ، وفي غير قراءة كسر الهاء ، سواء كان ذلك بالياء أم بالهمز ، فمن فتح التاء بناها على الفتح تخفيفا ، نحو : أين ، وكيف ، ومن ضمها ـ كابن كثير ـ شبهها ب «حيث» ، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين ك «جير» ، وفتح الهاء وكسرها لغتان ، ويتعين فعليتها في قراءة ابن عباس هييت بزنة : «حييت» فإنها فيها فعل ماض مبني للمفعول مسند لضمير المتكلم من : «هيئت الشيء».
ويحتمل الأمرين في قراءة من كسر الهاء وضم التاء ، فتحتمل أن تكون فيه اسم فعل بنيت على الضم ك «حيث» ، وأن تكون فعلا مسندا لضمير المتكلم ، من : هاء الرجل يهيئ ، ك «جاء يجيء» ، وله حينئذ معنيان :
أحدهما : أن يكون بمعنى : حسنت هيئته.
والثاني : أن يكون بمعنى : تهيأ ، يقال : هيئت ، أي : حسنت هيئتي ، أو تهيأت.
وجوز أبو البقاء : أن تكون «هئت» هذه من : «هاء يهاء» ك «شاء يشاء».
وقد طعن جماعة على قراءة هشام التي بالهمز وفتح التاء ، فقال الفارسي : يشبه أن يكون الهمز وفتح التاء وهما من الراوي ؛ لأن الخطاب من المرأة ليوسف ، ولم يتهيأ لها ؛ بدليل قوله : (وَراوَدَتْهُ) ، و (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، وتابعه على ذلك جماعة. وقال مكي بن أبي طالب : يحب أن يكون اللفظ (هئت لى) أي : تهيأت لي ، ولم يقرأ بذلك أحد ، وأيضا : فإن المعنى على خلافه ؛ لأنه لم يزل يفر منها ، ويتباعد عنها ، وهي تراوده ، وتطلبه ، وتقد قميصه ، فكيف تخبر أنه تهيأ لها؟!.
وأجاب بعضهم عن هذين الإشكالين بأن المعنى : تهيأ أمرك ؛ لأنها لم تكن تقدر على الخلوة به في كل وقت ، أو يكون المعنى : حسنت هيئتك. و «لك» متعلق بمحذوف على سبيل البيان ، كأنها قالت : القول لك ، أو الخطاب لك ، كهي في «سقيا لك ورعيا لك».
قال شهاب الدين : واللام متعلقة بمحذوف على كل قراءة إلا قراءة ثبت فيها كونها فعلا ؛ فإنها حينئذ تتعلق بالفعل ؛ إذ لا حاجة إلى تقدير شيء آخر. وقال أبو البقاء : والأشبه أن تكون الهمزة بدلا من الياء ، أو تكون لغة في الكلمة التي هي اسم للفعل ، وليست فعلا ؛ لأن ذلك يوجب أن يكون الخطاب ليوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو فاسد لوجهين :
أحدهما : أنه لم يتهيأ لها ، وإنما هي تهيأت له.
الثاني : أنه قال «لك» ، ولو أراد الخطاب لقال : هئت لي ، وتقدم جوابه.
وقوله : إن الهمزة بدل من الياء ـ هذا عكس لغة العرب ؛ إذ قد عهدناهم يبدلون الهمزة الساكنة ـ