أحدها : قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) ، ولو كان منه الإرادة والمراودة ، لم يكن ليقول ذلك لها ويبرئ نفسه من ذلك.
والثاني : قوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) ، ولو كان شيء مما ذكروا من حل السراويل والجلوس بين رجليها ، لم يكن السوء مصروفا عنه.
والثالث : قوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف : ٥٢] ، ولو كان منه ما ذكروا لقد خانه بالغيب.
والرابع : قولها : (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) [يوسف : ٥١] ، وقولها : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) [يوسف : ٥١].
هذا كله يدل أن ما قاله أهل التأويل فاسد ، لا يحل أن يتكلم فيه بشيء من ذلك ، وليس في ظاهر الآية شيء مما قالوا لا قليل ولا كثير ؛ إذ ليس فيه سوى أن همت به وهم بها.
ثم تحتمل الآية وجوها عندنا :
أحدها : همت به : هم عزم ، وهم بها هم خطر ، ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ، ولا مؤاخذة عليه ، وهو قول الحسن.
والثاني : همت به همّ الإرادة والتمكن ، وهم بها هم دفع ، لكنه يدخل عليه قوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، لو كان همه بها هم دفع لم يكن لقوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) معنى ، لكنه يشبه أن يكون هم بها ، أي : هم بقتلها (١) ، فإذا كان هم بقتلها فرأى برهان ربه فتركها (٢) لما لا يحل قتلها.
والثالث (٣) : كان يهم بها لو لا أن رأى برهان ربه على الشرط ؛ كان يهم بها لو لا ما رأى من برهان ربه ، وهو كقوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) [الإسراء : ٧٤] لو لا ما كان من تثبيتنا إياك ، وكذلك يخرج قول إبراهيم : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) [الأنبياء : ٦٣] ، أي : لو كان هو الذي ينطق لفعل هو.
ثم اختلف في قوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) : قال بعض أهل التأويل : رأى يعقوب عاضّا على شفتيه.
__________________
ـ ومجاهد (١٩٠٣٣ ، ١٩٠٣٩) ، وسعيد بن جبير وعكرمة (١٩٠٣٨ ، ١٩٠٤٠).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد ، ولأبي الشيخ وأبي نعيم في الحلية عن ابن عباس.
(١) في ب : قتلها.
(٢) في أ : وتركها.
(٣) في ب : والثاني.