إليه وإبداء الشفقة له ، فهذا يدل على ما ذكرنا من كون الإرادة مع الفعل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).
أي : دعتني ، والمراودة قد ذكرنا أنها هي الدعوة ؛ كقوله : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أي : سندعوه منه ونطلبه.
فإن قيل : كيف هتك سترها بقوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)؟
قيل : ليس فيه هتك الستر عليها ؛ بل فيه نفي العيب والطعن عن نفسه ، فالواجب على المرء أن ينفي العيب وما يشينه عن نفسه على ما فعل يوسف.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) من كذا فهو كذا ، وإن كان كذا فهو كذا من كذا.
قال بعض أهل التأويل : ذلك الشاهد هو ابن عم لها رجل حليم يقال كذا (١).
وقال بعضهم : شق القميص من دبر هو الشاهد (٢) ، وأمثاله ؛ لكن هذا لا يعلم من كان ذلك الشاهد.
وقيل : صبي في المهد (٣).
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٢ / ٤٢٢) ، البحر المحيط لأبي حيان (٥ / ٢٩٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٦) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن زيد بن أسلم.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٩٣) (١٩١٤٠ و ١٩١٤١ و ١٩١٤٢ و ١٩١٤٣) عن مجاهد.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٦) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ١٩١ ، ١٩٢) عن كل من : سعيد بن جبير (١٩١١١ ، ١٩١١٥) ، وهلال بن يساف (١٩١١٦) ، والضحاك (١٩١١٧ ، ١٩١١٩) ، وابن عباس (١٩١٢٠).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وأبي الشيخ عن سعيد ابن جبير ، ولأبى الشيخ عن الضحاك ، ولابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.
وأيضا : فكل من كان له تعلق بهذه الواقعة ، فقد شهد ببراءة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن المعصية والذين لهم تعلق بهذه الواقعة : يوسف والمرأة وزوجها ، والنسوة الشهود ، ورب العالم ، وإبليس :
فأما يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فادعى أن الذنب للمرأة ، وقال : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)[يوسف : ٢٦] و (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[يوسف : ٣٣].
وأما المرأة فاعترفت بذلك ، وقالت للنسوة : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ)[يوسف : ٣٢] وقالت : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)[يوسف : ٥١].
وأما زوج المرأة فقوله : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ. يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ)[يوسف : ٢٨ ـ ٢٩].
وأما الشهود فقوله تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ ...)[يوسف : ٢٦].
وأما شهادة الله تعالى بذلك فقوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف : ٢٤] فقد شهد الله ـ تعالى ـ في هذه الآية على طهارته أربع مرات : ـ