ويحتمل قوله : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) لما رأوه أحسن إلى أهل السجن ، ويحتمل الإحسان ـ هاهنا ـ : العلم ؛ أي : (١) نراك من العالمين ؛ وهو قول الفراء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ).
سمى التعبير : تأويلا ؛ لأن التأويل : هو الإخبار عن العواقب ؛ لذلك سموه تأويلا ، ثم خرج تأويل الذي كان يعصر الخمر على العود إلى ما كان في أمره ؛ من السقي للملك ؛ وهو كان ساقيه ؛ على ما ذكر ، فلما رأى أنه دام على أمره ، أول له بالعود إلى أمره الذي كان فيه. والآخر كان خبّازا ؛ على ما ذكر ، وهو إنما كان يخبز للناس ، فلما رأى أنه حمل الخبز على رأسه ، وأنه يأكل الطير ـ علم أنه يخرج من الأمر الذي كان فيه ، وخروجه يكون بهلاكه ؛ لأنه كان من قبل يخبز للناس ، فصار يخبز لغيرهم ؛ فاستدل بذلك على خروجه من أمره وعمله ، لكنه أخبر أنه يصلب ؛ لأنه كان قائما منتصبا ، فأول على ما كان أمره. والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) هذا ـ والله أعلم ـ كان يقول لهم ذلك ؛ ليعرفهم أن عنده علم ذلك ؛ علم ما لا يحتاج إليه ؛ فعلم ما يحتاج إليه أحرى أن يعلم ذلك ، وهذا ـ والله أعلم ـ منه احتيال ؛ لينزعهم عما هم فيه من عبادة الأوثان ، وعبادتهم غير الله ، وليرغبهم في توحيد الله ، وصرف العبادة إليه ؛ ولهذا قال :
(ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)
هذا باللطف ما أضاف إليه أنه علمه ، وإلا التعليم لا يكون إلا باختلاف الملائكة إليه ، وذلك لطف من الله تعالى للرسل عليهمالسلام.
وقوله : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما).
تأويله ـ والله أعلم ـ أي : لا يأتيكما طعام رأيتما آثار ذلك في المنام إلا نبأتكما بتأويل ذلك قبل أن يأتى ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ).
أخبر أنه ترك : (مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ...) الآية.
وقوله : (تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ليس أنه كان فيه ثم تركه ، ولكن تركه ابتداء ؛ ما لو لم يكن تركه كان آخذا بغيره ؛ وهو كقوله : (رَفَعَ السَّماواتِ) [الرعد : ٢] ليس أنها كانت موضوعة فرفعها ، ولكن رفعها أول ما خلقها. وكذلك قوله : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها)
__________________
(١) في أ : إنا.