[الرحمن : ١٠] ليس أنها مرفوعة ثم وضعها ؛ أي أنشأها مرفوعة وموضوعة.
وكقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] ليس أنهم كانوا فيها فأخرجهم ، ولكن عصمهم حتى لم يدخلوا فيها. فعلى ذلك الأول (١). والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ).
قال في الآية الأولى : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(٢) ، وأخبر أنهم كافرون بالله واليوم الآخر ، وفيه أن من لم يؤمن بالله واليوم الآخر ، فهو كافر ، فهذا ينقض على المعتزلة ؛ حيث جعلوا بين الكفر والإيمان رتبة ثالثة ، ويوسف يخبر أن من لم يؤمن بالله فهو كافر ؛ وهم يقولون : صاحب الكبيرة غير مؤمن بالله ، وهو ليس بكافر.
ثم أخبر أنه ترك ملة أولئك الذين لا يؤمنون بالله ، واتبع ملة آبائه إبراهيم ومن ذكر ، ثم أخبر عن ملة آبائه وهو ما ذكر.
(ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ)
عرفهم ملة آبائه ودينهم ؛ وهو على ترك الإشراك بالله ، وجعل الألوهية له ، وصرف العبادة إليه. وفيه : أن الملة ليست إلا ملتين : ملّة كفر ، وملة إسلام (٣). وأخبر أن من لم يكن في ملة الإسلام كان في ملة الكفر. ثم خص بذكر هؤلاء : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ؛ لأن هؤلاء كانوا مكرمين عند الناس كافة ، كل أهل الدين يدّعون أنهم على دين أولئك ؛ فأخبر أنهم على دين الإسلام.
والحنيف : المخلص ، ليس على ما تزعمون أنتم ؛ ولهذا قال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران : ٦٧].
وفي قوله : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) دلالة أن الكفر كله ملة واحدة ؛ حيث أخبر أنه ترك ملة قوم لا يؤمنون على اختلاف مذاهبهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ).
أي : ذلك الدين والملة التي أنا عليها وآبائي من فضل الله علينا وعلى الناس ؛ لأنه ـ عزوجل ـ فطر الناس على فطرة ؛ يعرفون وحدانية الله وربوبيته بعقول ركبت فيهم ؛ ولكن أكثر الناس لا يشكرون فضل الله وما ركب فيهم من العقول ، أو ذلك الدين والهداية الذي أعطاهم من فضل الله ؛ لكن أكثر الناس يتركون ذلك الدين وتلك الهداية ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : الآية.
(٢) زاد في أ : ليس أنه كان فيه ثم تركه ، ولكن تركه ابتداء ، ما لو لم يكن تركه كان آخذا إلى ...
(٣) في أ : الإسلام.