وقول الله ـ عزوجل ـ : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ). يوسف ـ لما سئل عن تأويل الرؤيا ـ دعاهم إلى توحيد الله ودلهم عليه ؛ فقال : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) ، وقال : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) ، أي : عبادة رب واحد وإرضاؤه خير أم عبادة عدد وإرضاء نفر؟ لأنه إذا عبد بعضا واجتهد في إرضائهم أسخط الباقين ؛ فلا سبيل إلى الوصول إلى مقصوده والظفر بحاجته ؛ إذ لا يقدر على إرضائهم جميعا ، وإن اجتهد ، وأما الواحد : فإنه يقدر على إرضائه ؛ إذ لا يزال يكون في عبادته وإرضائه ؛ فيصل إلى حاجته والظفر بمقصوده.
والثاني : يخبر أن الواحد القهار يقهر غيره من الأرباب ومن تعبدون ؛ فعبادة الواحد القهار خير من عبادة عدد مقهورين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ).
من الأصنام والأوثان.
(إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها).
آلهة.
(أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ).
ولا يستحقون العبادة ولا التسمية بالألوهية ؛ إنما المستحق لذلك : الذي خلقكم وخلق السموات والأرض.
(ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ).
أي : ما أنزل الله على ما عبدتموهم وسميتم أنتم وآباؤكم آلهة من حجة ولا برهان.
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ).
أي : ما الحكم ـ في الألوهية والربوبية والعبادة ـ إلا لله [ليس كما تقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].
وقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] يقول : ما الحكم في العبادة والألوهية إلا لله](١).
أو يقول : ما الحكم في الخلق إلا لله ؛ كقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] أي : له الخلق وله الأمر في الخلق.
و (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).
حكمه هذا : أمر ألا تعبدوا إلا إياه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ).
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.