أي : عبادة الله وتوحيده هو الدين القيم ؛ لأنه دين قام على الحجة والبرهان ، وأمّا سائر الأديان فليست بقيمة ؛ إذ لا حجة قامت عليها ولا برهان.
والقيم : هو القائم الذي قام بحجة وبرهان ، وقال أهل التأويل : القيم : المستقيم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
يحتمل : لا يعلمون ؛ لما لم يتفكروا فيه ولم ينظروا ؛ فلم يعلموا ، ولو نظروا فيه وتفكروا لعلموا ، وهذا يدلّ أن العقوبة تلزم ـ وإن جهل ـ إن أمكن له العلم به ؛ فلا عذر له في الجهل إذا أمكن العلم به.
أو علموا لكنهم لم ينتفعوا بعلمهم ؛ فنفى عنهم العلم لذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ).
هو ما ذكرنا أنه تأويل رؤيا الساقي ، وعبرها على (١) العود إلى ما كان يعمل من قبل ؛ لما رأى أنه كان عمل على ما كان يعمل من قبل.
وعبر رؤيا الخبّاز بالهلاك ؛ لما رأى أنه حمل الخبز على الرأس ، والخبز إذا خبزه الخباز لا يحمله على رأسه ؛ فرأى أنه قد انتهى أمره ؛ إذ عمل على خلاف ما كان يعمل من قبل ؛ فتأكل الطير من رأسه ، فعبّر أنه يصلب وتأكل من رأسه لما رأى أنه حمل الخبز على رأسه ؛ لما كان يخبز من قبل للعباد ، فلما رأى أنه يخبز لغيره عبر أنه يهلك فتأكل الطير من رأسه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ).
قال بعض أهل التأويل : إنه لما عبر لهما رؤياهما ، قال الذي عبر له الصلب والقتل : لم أر شيئا ؛ إنما كنا نلعب (٢) ، فقال لهما يوسف : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي : فرغ وانتهى ، لكن هذا لا يعلم : أقالا ذلك أم لم يقولا ، سوى أن فيه أنه عبّر رؤياهما ، وكان ما عبّر لهما ، وقد علم ذلك بتعليم من الله إياه ؛ بقوله : (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا).
قال بعضهم : ظن الذي صدق [يوسف : أنه يسقي ربه ، وأنه ناج.
__________________
(١) في أ : عن.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢١٨ ، ٢١٩) (١٩٣٠٢ ، ١٩٣٠٥) عن ابن مسعود ، (١٩٣٠٦) عن ابن إسحاق ، (١٩٣٠٨ ، ١٩٣٠٩) عن مجاهد.
وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن مسعود ، ولأبي الشيخ عن مجاهد وقتادة بمثله.