وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ).
أما البقرات : هي السنون ، والسمان : هي المخصبات الواسعات.
(يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ).
العجاف : هي المجدبات.
(وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ).
السنبلات : سنبلات ، وخضر : عبارة عما يحصد.
(وَأُخَرَ يابِساتٍ).
عبارة عما لا يحصد أي : لا يكون فيه ما يحصد.
فيه دلالة أن في الرؤيا ما يكون مصرحا مشارا إليه يعلم بالبديهة ، ومنها ما يكون كناية مبهما غير مفسر ؛ لا يعلم إلا بالنظر فيها والتفكر (١) والتأمل ؛ لأنه قال : (أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ) ، وسبع : هو سبع لا غير ، وبقرات : هن كناية عن السنين ، وسمان : كناية عن الخصب والسعة ، يأكلهن على حقيقة الأكل لا غير.
وكذلك (سَبْعٌ عِجافٌ) السبع : هو سبع ، والعجاف : كناية عن الشدة والجدب ، وسبع سنبلات : هنّ عين السنبلات ، وخضر : هن كناية عما يحصد ، ويابسات : كناية عما لا يكون فيه ما يحصد.
ففيه : أن من الخطاب ما لا يكون مصرحا مبينا مشارا إليه ؛ يفهم المراد منه بالبديهة وقت قرع الخطاب السمع ، ومنه ما يكون مبهما غير مفسر ؛ فهو على وجهين :
منه ما يفهم بالنظر فيه والتفكر.
والثاني : لا يفهم بالبديهة ولا بالنظر فيه والتفكر ، إلا ببيان يقرن به سوى ذلك ، على هذا تخرج المخاطبات فيما بين الله وبين الخلق والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).
خاطب الأشراف من قومه والعلماء بقوله : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) على ما ذكرنا فيما تقدم أن الملأ : هو اسم للأشراف منهم والرؤساء ، وهكذا العادة في الملوك ؛ أنهم إذا خاطبوا إنما يخاطبون أعقلهم وأعظمهم منزلة عندهم وأكرم مثواهم.
دلّ قوله : (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) أنه إنما رأى ذلك في المنام والله أعلم.
وقوله : (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ ...) الآية.
__________________
(١) في ب : الفكر.