كأنه (١) نهاهم أن يتكلفوا التعبير للرؤيا التي رآها ؛ إذا لم يكن لهم بها علم ، وكذلك الواجب على كل من سئل عن شيء لا يعلم ألا يشتغل به ، ولا يتكلف علمه ؛ إذا لم يكن له به علم ؛ حيث قال : (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ).
قال بعضهم : أباطيل أحلام كاذبة وقال بعضهم : أخلاط أحلام (٢) ؛ مثل أضغاث النبات تجمع فيكون فيها ضروب مختلفة ، وهو كما قيل في قوله : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) [ص : ٤٤] أي : جماعة من أغصان الشجر.
وقال بعضهم : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) : الضغث ، والأضغاث : ما لا يكون له تأويل (٣) ، ويقال لنوع من الكلأ : ضغث وهو الحلفا ؛ يشبه البردي وغيره.
وقيل : إن الضغث والأحلام : هما اسمان لشيء لا معنى له ، ولا تأويل ، وهما واحد ، وأصل الأحلام : كأن مخرجه من وجهين :
أحدهما : العقول ؛ دليله : قوله : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) [الطور : ٣٢] أي : عقولهم (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الطور : ٣٢].
والثاني : من الاحتلام ، وهو [ما ذكرنا](٤) من الحلم ؛ كقوله : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ...) [النور : ٥٩] : الآية فيشبه أن يكون يخرج على هذا ؛ لأن الصبي ما لم يعقل لا يلعب به الشيطان ، ولا يحتلم ؛ لأن (٥) الاحتلام هو من لعب الشيطان به ، فسمى الرؤيا الباطلة الكاذبة أحلاما ؛ لأنها من لعب الشيطان به ، كما سمى احتلام الصبى حلما ؛ لأنه إذا بلغ العقل لعب به الشيطان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ).
يحتمل قوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) لما لا تأويل لها ؛ كقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، وقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] أي : لا شفيع لهم.
__________________
(١) في ب : كأنهم.
(٢) أخرجه بمثله ابن جرير (٧ / ٢٢٤) (١٩٣٤٢) عن قتادة ، (١٩٣٤٥) وعن الضحاك. وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٩) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
قلت : لم أجده في ابن جرير بهذا اللفظ ، إنما هو بلفظ «كاذبة» وعزاه السيوطي أيضا لابن جرير عن الضحاك ، ولأبى عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) انظر التعليق في البحر المحيط (٥ / ٣١١).
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : كأن.