ويحتمل قوله : (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) لها تأويل ، ولكن نحن لا نعلمها (١) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما).
من الهلاك ، وهو الساقى الذي ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ).
أي : تذكر بعد أمّة ، قال الأمّة ـ هاهنا ـ : الحين ، أي : ذكر بعد حين ووقت ؛ كقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) [هود : ٨] قيل : حين ووقت معدود (٢) ، وقال الحسن : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أي : بعد أمّة من الناس (٣).
ويقرأ بعد أمه قال أبو عوسجة : الأمة : النسيان والسهو ؛ أي : تذكر بعد نسيان وسهو ؛ كقوله : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) [يوسف : ٤٢] يقال منه في الكلام : أمه يأمه أمها ؛ فهو آمه ، وأمه ؛ أي : نسي.
والأمة : من الأمم والقرون التي مضت.
والأمة : النعمة ، والأمم جمع.
والأمة أيضا : الدّين والسّنة ؛ كقوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] أي : على دين.
__________________
(١) اعلم أنه ـ سبحانه وتعالى ـ جعل هذه الرؤيا سببا لخلاص يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من السجن ؛ وذلك أن الملك لما رأى ذلك ، قلق واضطرب بسببه ؛ لأنه شاهد أن الناقص الضعيف استولى على الكامل ؛ فشهدت فطرته بأن هذا أمر عداوة وقدر بنوع من أنواع الشر ، إلا أنه ما عرف كيفية الحال فيه.
والشيء إذا صار معلوما من وجه ، وبقي مجهولا من وجه آخر ـ عظم شوق النفس إلى تمام تلك المعرفة ، وقويت المعرفة في إتمام الناقص ، لا سيما إذا كان الإنسان عظيم الشأن واسع المملكة ، وكان ذلك الشيء دالّا على الشر من بعض الوجوه ، فبهذا الطريق قوّى الله داعية ذلك الملك في تحصيل العلم بتفسير هذه الرؤيا ، وأنه ـ تعالى ـ عجّز المعبّرين الحاضرين عن جواب هذه المسألة ؛ ليصير ذلك سببا لخلاص يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ من تلك المحنة.
واعلم أن القوم ما نفوا عن أنفسهم كونهم عالمين بعلم التعبير ؛ بل قالوا : إن علم التعبير على قسمين :
منه ما يكون الرؤيا فيه منتظمة ؛ فيسهل الانتقال من الأمور المتخيلة إلى الحقائق العقلية.
ومنه ما يكون مختلطا مضطربا ، ولا يكون فيه ترتيب معلوم ، وهو المسمى بالأضغاث.
ينظر اللباب (١١ / ١١٨).
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٢٧) (١٩٣٥٤ ، ١٩٣٥٥ ، ١٩٣٥٦) وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٩) وعزاه لابن أبي حاتم عن الحسن.